بقلم - خالد منتصر
المناخ الفكرى والثقافى فى مصر المحتدم الآن بما فيه من عدم قبول الآخر ورفض التجديد وتقديس التراث وعبادة الأفكار القديمة وتخوين الآخر المختلف، يجعلنا نشخصه بأنه مصاب بمرض "القولبة "، بمعنى أن هناك قالباً جامداً من الرصاص علينا جميعاً نحن الكيانات المصنوعة من الشمع المصهور أن ندخل وننحشر فى هذا القالب الجاهز ونتشكل على مقاسه، القالب ثابت ونحن المطلوب منا التحور كالأميبا لكى نناسب القالب، فالقالب الرصاصى أولاً، ونحن فى ذيل الأولويات، حتى ولو عند دخولنا كسرت ضلوعنا أو إختنقنا أو نزفت أكبادنا، المهم القالب سليم.
هناك أسطورة يونانية أتذكرها كلما حاولت فهم وتحليل تعاملنا مع التراث وفهمنا للدين والدنيا والبشر ، تحكى الأسطورة كما هو مكتوب عن بروكرست شخصية من المثيولوجيا اليونانية، حيث كان حداداً وقاطع طريق من أتيكا، كان يهاجم الناس ويقوم بمط اجسادهم أوبتر ارجلهم لتتناسب اطوال اجسامهم مع سريره الحديدي.
يطلق لفظ البروكرستية اي نزعة إلى "فرض قوالب" على الاشياء (الاشخاص أوالافكار..) أولي الحقائق أوتشويه المعطيات لكي تتناسب قسراً مع مخطط ذهني مسبق.
حسب الاسطورة فان بروكرست معقله الحصين في جبل كوريدالوس، حيث كان يملك سريرأ حديدياً، يقوم بروكرست بدعوة اي مسافر مار ليحسن ضيافته ويدعوه إلى النوم في هذا السرير، وكان بروكرست مهووسا باهمية ان يناسب طول الضيف السرير، فاذا كان الضيف أطول من السرير قام بروكرست ببتر ارجله ليتناسب مع السرير، واذا كان أقصر من السرير مط جسم الضحية حتى تتكسر مفاصله حتى يساوي جسمه السرير بالضبط.
ولم يكن لاحد ان ينجومن هذا المصير المرعب. أستمر بروكرست بجرائمه المروعة حتى القى القبض عليه ثيسيوس واخضعه لنفس ما أُخضع له ضحاياه، حيث انامه على سريره وبتر راسه ليتلاءم مع السرير.نحن نقدس الأفكار القديمة الثابتة مثلما كان صاحب الفندق اليونانى يقدس هذا السرير!
ونطلب من الناس بتر سيقانها وتجميد ادمغتها لتتناسب مع هذه الأفكار، ونرفض الإعتراف بأن هذه الأفكار بنت زمانها وبيئتها، ومن الممكن أن يتغير بعضها ليناسب العصر، ويظل البعض الآخر مما يناسبه بالفعل الآن، نحن مرعوبون من الأفكار الجديدة رعب خفاش الكهف من النور، ومفزوعون من يد التغيير.
ونظن أنها دائماً تخفى تحت القفاز خنجراً وقارورة سم.يفرض علينا الآخرون المرضى بالقولبة أن نطوع عقولنا مهما تعلمنا ومهما تراكمت أمامنا من معارف وعلوم جديدة، علينا أن نطوعها للرأى القديم، وأن تكون مهمتنا الوحيدة هى قياس الجديد على الباترون القديم، وقص الزائد منه حتى يتطابقا، ونلغي كل ماتعلمناه وإلا إتهمنا إما بالكفر أو الجنون!.