بقلم - محمود خليل
الحرب ثقيلة، بل قل هي من أثقل الأمور على البشر، لأنها تحمل ف طياتها كل ما هو ثقيل على النفس.. فيها الحزن، وهو ثقيل، وفيها الفقد وهو ثقيل، وفيها الإحساس بالخذلان وهو ثقيل، والشعور بالقهر وهو ثقيل.
يقول الله تعالى: "كتب عليكم القتال وهو كُره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون".. القول القرآني واضح في أن القتال مسألة مكروهة من جانب البشر.. فما من إنسان إلا ويحب العيش الهادىء المستقر الذي يستمتع فيها بنعم الحياة، لكن الظروف قد تفرض عليه في لحظة أن يتخلى عن كل هذا، ويسير مشواراً يراهن فيه على "اللاعودة"، وهو مشوار الحرب التي يدخلها الانسان وهو لا يدري هل سيعود منها، أم يصعد راضياً مرضياً إلى ربه.
الآية الكريمة تتحدث عن القتال كوعد مكتوب، كتبه الخالق العظيم على الإنسان لحكمة كبرى، تتمثل في المساهمة في اعتدال ميزان الحياة، وعدم السماح لطرف بالجور على آخر، أو سلب حقوقه، أو العيش على حسابه، وثمة أمور ثلاث فرضها الله تعالى على الإنسان من منظور "الوعد المكتوب"، وجميعها ظهرت في سورة "البقرة" داخل آيات كريمة تبدأ بكلمة "كُتِب"، أولها القصاص: "يا أيها الذن آمنوا كُتِب عليكم القصاص"، وثانيها الصيام، وذلك في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كُتِب عليكم الصيام"، وثالثها: القتال "كُتِب عليكم القتال وهو كره لكم". والأمور الثلاثة تتعلق بمسائل تشق على النفس، وأشقها في كل الأحوال هو القتال، بما يحمله من مخاطر، ومن إرباك لأوضاع الحياة، لذلك خصه الله تعالى بالوصف "وهو كُره لكم". فالله تعالى يعلم النفس الانسانية وخباياها.
أشياء كثيرة يُبتلى بها الإنسان في الحياة، ولا يعلم أن في باطنها الرحمة واللطف به والعطف عليه، رغم ما يعانيه في مواجهتها، وأشياء أخرى قد تسعده في ظاهرها، دون أن يدري أن الأقدار تخبىء له فيها ما يعذبه، ويقلب حياته، ويقلق راحته ويطير النوم من عينيه. فليس كل ما تحب بنافع.. وليس كل ما تكره بضار.. فقد يكون ما تحب كامناً في قلب ما تكره.. وما تكره كامناً في باطن ما تحب. وعلى هذا النحو نبهت آية "القتال" المؤمنين إلى أن الإنسان قد يكره شيئاً فيه الخير له، وقد يحب شيئاً آخر يحمل الشر والوبال عليه، والله تعالى هو الأعلم بما يصلح حال عباده.
حين يكون القتال بحق ودفاعاً عن حق لابد أن يطمئن الإنسان إلى معونة الله له، أما حين يكون عدواناً واعتداءاً وسلباً ونهباً، فعليه أن يعلم أنه خرج عما شرعه الله.. فالقتال الحقيقي هو ما يخافه المؤمن ويبغضه، رغم أن فيه الخير له، فيسترد ما سلبه عدوه من حقوق، أما الاعتداء -ففيه جرأة وغرور- لأن المعتدي يحركه الطمع فيما في يد الغير، والله لا يحب المعتدين: "إن الله لا يحب المعتدين".