بقلم - محمود خليل
شكل العرب فيما بينهم طبقة الحكم الجديدة لمصر بعد أن فتحها عمرو بن العاص، واستبعد الأقباط من العديد من مواقع الإدارة ليحل محلهم المسلمون. وكانت تلك أولى خطوات زحف اللغة العربية على المصريين. فقد أصبحت اللغة الرسمية للإدارة، وبات لزاماً على كل من يتعامل معها أن يتعلمها، إذا أراد تحسين مكانته. وتعلم لغة الفاتح أحد سبل تحسين المكانة كما تعلم.ومع ازدياد موجات الهجرة العربية إلى مصر –كما يقرر الدكتور أحمد مختار عمر- تضاعف أعداد العرب الذين يعيشون في مصر، وكان من الطبيعي أن تكثر الاحتكاكات اليومية بينهم وبين المصريين، بسبب ما تفرضه طبيعة الحياة من "تخليص المصالح"، ونتيجة لذلك بدأ كل طرف يلتفت إلى لغة الآخر. أضف إلى ذلك الاحتكاكات اليومية بين العرب والمصريين ووجود تعاملات بينهما تفرضها طبيعة الحياة، أدت إلى محاولة أن يفهم كل منهما الآخر، وكان من الطبيعي أن تكون اليد الطولى للغة الغالب، وهي اللغة العربية.كان قد مر على دخول العرب إلى مصر أكثر من ثلاثة قرون، حينما تمكنت اللغة العربية من الصعود، وأخذت "القبطية" في الانزواء، ويمكنك التأريخ لذلك بالحقبة الفاطمية وتحديداً في عصر الحاكم بأمر الله، حين بدأ أقباط مصر يذوبون في الجموع العربية المسلمة التي تمددت في شتى أنحاء البلاد، وأسلم الكثيرون منهم. يقول "مختار عمر": "وشيئاً فشيئاً زاد دخول الأقباط في دين الإسلام، ولم يأت القرن الثامن الهجري حتى كان عدد الأقباط في مصر لا يزيد عن عشر السكان".وبدءاً من القرن الهجري الخامس اكتسب المجتمع المصري وجهاً إسلامياً عروبياً، وباتت اللغة العربية اللغة المستخدمة على ألسنة أولاد البلد، ومنذ البداية تشكلت في مستويين، مستوى رسمي تمثل في لغة العبادة ولغة الكتابة والمخاطبات الرسمية داخل الدولة، ولغة شعبية أصبحت أداة التفاهم بين الناس. ويعني ذلك أنه منذ اللحظة الأولى لميلاد اللغة العربية في مصر، توزعت على مستويين: مستوى الفصحى ومستوى العامية. فالعربية التي كان يتحدث بها المصريون أواخر العصر الفاطمي، ومع بدايات العصر المملوكي كانت "عامية" بالأساس. وكل ما تشاهده من مسلسلات درامية أو أفلام تناولت هذه الأيام لا تعبر تعبيراً حقيقياً عن طبيعة اللغة حينذاك. فقد كان الناس يتكلمون العامية وليس الفصحى كما تنقل هذه الأعمال، وهي عامية تغذت على الفصحى من ناحية وعلى القبطية وغيرها من اللغات الأخرى من ناحية ثانية. وما زال قسماً كبيراً من قاموس العامية المصرية التي كان يتحدثها المصريون في هذه المرحلة قائمة في حياتنا اللغوية حتى اللحظة.لقد نجحت العربية في إزاحة "القبطية" في مصر، ولكن بعد أن أثرت فيها وتأثرت بها، وما زالت اللغة القبطية حاضرة في مصر حتى اللحظة. ليس داخل أديرة العبادة وفقط، بل إن هناك قرية في صعيد مصر، اسمها قرية "الزينية" ما زال أهلها يتحدثون القبطية حتى الآن.لقد احتفظ المصريون بالقبطية في حدود معينة.. ومصروا "العربية".