بقلم - محمود خليل
وُلد «الحسن بن على» رضى الله عنه سنة 3 هجرية. جده لأمه هو النبى صلى الله عليه وسلم، وجده لأبيه هو أبوطالب بن عبدالمطلب، الذى حمى النبى ودعوته فى وقت اشتدت فيه حاجتها إلى الحماية، وجدته لأمه هى خديجة بنت خويلد، وجدته لأبيه هى فاطمة بنت أسد التى نشأ النبى بين يديها بعد وفاة أمه آمنة، أما أبوه فعلى بن أبى طالب، وأمه فاطمة بنت محمد رضى الله تعالى عنها وأرضاها.أى خيط تمسكه بيديك فى حياة «الحسن» ستجده يقودك فى النهاية إلى النبى صلى الله عليه وسلم. بما فى ذلك خيط الشكل والهيئة، فقد بقى طيلة حياته صورة تذكر المسلمين بالنبى بعد أن صعدت روحه الشريفة إلى بارئها. كان أبوبكر الصديق يحمله على ذراعيه بعد وفاة النبى ويقول ضاحكاً إنه أقرب شبهاً إلى جده النبى منه إلى أبيه على.فرحة النبى بالحسن حين أنجبته فاطمة كانت كبيرة. أراد أبوه على أن يسميه «حرباً»، لكن الرسول سماه «الحسن». وفى تقديرى أن قصة التسمية تلك يعتريها ظلال من الشك، لأنه لم يكن معروفاً عن بنى هاشم تسمية أولادهم بهذه الأسماء الخشنة الغليظة، خلافاً على سبيل المثال لبنى أمية، وهى لا تتعدى محاولة من جانب الحكائين للتحضير للدور الإصلاحى الذى لعبه «الحسن» حين رفض استمرار الحرب الأهلية التى نشبت بين المسلمين، بعد اغتيال عثمان بن عفان، لكن القصة تبقى دليلاً على أن النبى هو من اختار اسم حفيده.نعم «الحسن» بعد مولده بطفولة هانئة فى ظلال جد حان عطوف محب لأحفاده من ريحانته «فاطمة» أشد الحب. كيف لا وهى الوحيدة من بناته التى أنجبت له أحفاداً. لم يعش «الحسن» سنوات أهنأ من السنوات الثمانى الأولى من عمره، والتى قضاها فى كنف جده الذى يلاعبه ويرق له ويهدهد طفولته، وأمه فاطمة التى كانت نسمة نهر حب يتدفق على زوجها وأبنائها، وريحاً عاصفة على من يفكر -مجرد تفكير- فى مسهم بسوء.كل سنة مرت بعد ميلاد «الحسن» كانت تقرب النبى صلى الله عليه وسلم من تحقيق هدفه فى إبلاغ رسالة ربه، لكنها كانت تقترب أيضاً بالجد الحبيب من خط النهاية. السنوات الأخيرة فى حياة النبى كانت أكثر هدوءاً مما سبقها، والفرصة كانت مواتية للحسن ثم لأخيه الحسين لينعما بعطف الجد وحنانه البالغ عليهما، لكن سنوات السعادة لا تدوم، وما أشق ما يعقبها من سنوات طوال يواجه فيها الطفل العالم وقد كبر وأصبح صبياً، ثم شاباً مسئولاً، يحمل فوق ظهره ما يتوجب عليه حمله من أعباء الحياة.مات النبى صلى الله عليه وسلم سنة 11 هجرية، وعمر «الحسن» يقارب 8 سنوات، اخترق سهم الحزن قلبه الصغير فأجهده، لم يمر على الحدث الداهم سوى 6 شهور حتى فاضت روح فاطمة بنت النبى، ليفقد الطفل حنان الأم، بعد حنان جده. يخلو البيت العامر إلا من أبيه وأخوته. الإخوة صغار يعانون الحزن الذى يعانيه، أما الأب ففارس كبير، وحكيم لا يتوقف عقله عن التفكير، وواحد من كبار الزاهدين فى الدنيا، تعود أن يأخذ نفسه وغيره بـ«القاسية».فى كنف الجد تشكلت روح «الحسن».. وفى كنف الأب وتجربته تكون عقله.الروح لم تتوقف لحظة عن استدعاء نموذج الكمال الذى تحقق فى شخص النبى الجد. وما أكثر ما كان يجلس إلى خاله هند بن أبى هالة -شقيق السيدة فاطمة من الأم خديجة- ويسأله أن يصف له النبى، وكان «هند» وصافاً من طراز رفيع، يقول الحفيد: «سألت خالى هند بن أبى هالة وكان وصافاً عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أشتهى أن يصف لى منها شيئاً أتعلق به»، إنها الرغبة العارمة فى استدعاء روح النبى التى تعلقت بها روح الحفيد فى مرحلة الطفولة، تلك المرحلة التى يختلط فيها المتماسك بالسائل من المعارف والمدركات.أما العقل فورث الحكمة عن الأب على بن أبى طالب، لكن خلافاً له لم يكن يستغرق فى التفكير إلى حد التردد، بل كان يرى الحكمة فى قرار، يسبقه حسن التفكير، والنظر إلى ما هو أبعد.. إنه الفارق بين مدرستين فى التفكير: الأولى مدرسة «إن كنت ذا رأى فكن ذا تردد»، والثانية «إن كنت ذا رأى فكن ذا عزيمة».