بقلم - محمود خليل
تبنى «الحسين» وجهة نظر أبيه خلال حلقات الصراع الذى خاضه على بن أبى طالب بعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان.
وخلافاً لـ«الحسن» أيد «الحسين» قبول أبيه الخلافة دون انتظار لبيعة الولاة داخل الأمصار المختلفة، وحين خرجت أم المؤمنين عائشة ومعها الصحابيان طلحة والزبير ضده وخلعوا بيعته، أيد موقف «على» فى حربهم، وشارك معه ضدهم فى موقعة «الجمل»، وعندما أبى «معاوية» البيعة، شارك معه أيضاً فى قتال أهل الشام فى موقعة «صفين»، ثم قتال الخوارج فى «النهروان».
بدا «الحسين» -فى كل المواقف- رجلاً يقف فى ظهر أبيه حتى استُشهد على يد الخارجى «عبدالرحمن بن ملجم»، وكان ما كان من صلح بين «الحسن» و«معاوية»، حين تنازل الأول للثانى عن الخلافة.
لم يرض «الحسين» عن هذه الخطوة ولام أخاه أشد اللوم، وكان من رأيه أن يواصل «الهاشميون» القتال ضد «معاوية» وأتباعه من بنى أمية، حتى يقروا بالحق ويبايعوا «الحسن».
وبنى وجهة نظره على مجموعة من الحقائق الواقعية، أهمها وجود جيش قوى يستطيع «الحسن» أن يناجز به «معاوية» فى الشام.
اتسقت وجهة نظر «الحسين» مع تركيبته الشخصية الباحثة عن المثل العليا والحالمة بإقامة دولة العدل على الأرض، وهى وجهة نظر منبثقة من رؤى كلية لا تكترث بالتفاصيل، خلافاً لشخصية «الحسن» التى كانت تدرك تفاصيل المشهد، وتعرف أن الجيش الملتف حولهم يعانى من حالة ترهل، وما أسهل أن ينقلب إلى فرق ترفع السيف فى وجه بعضها البعض، لذلك تجد أن «الحسن» كان الأقدر فى مسألة الحسابات السياسية ويبنى قراراته عليها، مثلما فعل وهو يتنازل عن الخلافة لـ«معاوية».
لم يكن «الحسين» يتحرك من منطقة الواقع، بل من منطقة الحلم والأمل فى بناء دولة ديانة، فانصرف جل تركيزه إلى التحولات التى يريد «معاوية» أن يحدثها فى شكل الدولة، بحيث يستبد الحاكم بالملك وتتحول الرعية إلى عبيد للدنيا، لا تمانع فى الدخول فى طاعة إمام ضلالة حرصاً على الحياة.
أكثر ما كان يشغل «الحسين» هو تلمس الطريق نحو استعادة الوجه المضىء للخلافة الراشدة، وعدم ترك الأمر للأمويين ليعبثوا بشكل الدولة وقيمها ويخرجوا عن نسق الشورى فى اختيار من يلى أمرها.الشجاعة والجرأة على المواجهة مثّلت معلماً أصيلاً من معالم شخصية «الحسين».
يقول «العقاد» فى كتابه «الحسين أبوالشهداء»: «وشجاعة الحسين صفة لا تُستغرب منه، لأنها الشىء من معدنه، كما قيل، وقد شهد الحروب فى أفريقية الشمالية وطبرستان والقسطنطينية، وحضر مع أبيه وقائعه جميعاً من الجمل إلى صفين.
وليس فى بنى الإنسان من هو أشجع قلباً ممن أقدم على ما أقدم عليه الحسين يوم كربلاء».
الشخصيات من هذا النوع تحركها «الشجاعة الأدبية» أكثر مما تشغلها «الحسابات السياسية». حياتها كلها انفجارات متتالية، بل إن وفاتها تأتى أيضاً كانفجار يجسد الثمن الطبيعى الذى يدفعه صاحب الأحلام الثورية الباحث عن المثالية بشجاعة وثبات، فيصبح مثل الأشجار التى تموت واقفة، كذلك كانت حياة «الحسين» وكانت لحظة رحيله عن الحياة.