الحرافيش والأعيان

الحرافيش والأعيان

الحرافيش والأعيان

 العرب اليوم -

الحرافيش والأعيان

بقلم - محمود خليل

 

فى ملحمة «الحرافيش» استدعى نجيب محفوظ -بشكل مباشر- فكرة «المستبد العادل»، ورسم على أساسها شخصية «عاشور الناجى»، الرجل الذى ألقت به الأقدار إلى الواقع، وعاش مجهول النسب، منذ أن تفتحت عيناه على الحياة، فى بيت الشيخ عفرة زيدان الذى التقطه من أمام سور التكية، وتعهده بالرعاية والتربية.

يقدم نجيب محفوظ شخصية «الناجى الكبير» كنموذج للمستبد العادل، فهو أولاً مترفع عن الجلوس على مقعد الفتوة، ولا يريد استخدام عافيته ضد أحد، لكن إرادة المجموع قذفت به فى لحظة إلى منصة الفتونة. وهو ثانياً مستبد فى قراراته، سواء داخل أسرته، أو على مستوى الحارة، يفرض ما يريد على الآخرين، لكنه يبحث -فى استبداده- عن العدل، وما يحقق الحياة المستقرة للجميع، من أغنياء الحارة وفقرائها، وهو ثالثاً يمتلك الحكمة التى تعلمها من الشيخ عفرة زيدان الذى تبناه، ورباه على قاعدة أن «الإتاوة» التى يفرضها الفتوات حرام على من يأخذها ومن يدفعها، أما الزكاة فهى فرض على القادر يعطيها لغير القادر.

وتمثل «الإتاوة» فكرة مركزية فى قصص الحرافيش (عددها 10 قصص)، فحولها يدور الصراع، إذ يفرضها الفتوة «المستبد» على الفقراء كجزء من منهجية تربيتهم على طاعة سادة الحارة، وهو يقبض ثمناً سخياً نظير حماية السادة الأغنياء من أية انتفاضة مفاجئة من جانب الفقراء المقهورين. وتظهر فكرة الزكاة التى يعطيها الغنى للفقير كفكرة هامشية، يعلو مقامها حين يحكم الحارة «فتوة عادل»، يأخذ من الغنى ليعطى الفقير، حتى يسود الرضا بين الجميع، وهو يستثمر أيضاً جزءاً من المال الذى يجمعه من أجل التطوير وتوفير فرص عمل لعواطلية الحارة. وقد قدم «عاشور الناجى» ترجمة عملية لهذه الفكرة، أبهرت أهل الحارة، وظلوا معلقين بحلم استعادتها حتى بعد رحيل «الناجى الكبير».

لم تنعم «حارة نجيب محفوظ» إلا بفترات قليلة من العدل، مقابل تاريخ طويل من الظلم والاستبداد الذى شهدته على يد عتاة الفتوات، وكان بعضهم من «سلسال الناجى» نفسه، بسبب خمول «الحرافيش» وتعلقهم بحلم المنقذ الذى تقذف به الأقدار ليملأ الحارة عدلاً بعد أن مُلئت جوراً، ورغم الإشارات العديدة التى تضمنتها الحكايات إلى أن «الحرافيش» بإمكانهم فرض العدل الذى يريدونه إذا تحركوا ككتلة واحدة، لكن الإحساس التاريخى بالعجز كان يقعدهم، والخوف المتعمق فى نفوسهم يصدهم عن التحرك.

لم تكن فكرة مأسسة العدل حاضرة بحال فى تفكير «الحرافيش»، فالمسألة فى الأول والآخر ترتبط بفكرة الفرد المنقذ، وهى جزء من الثقافة العامة السائدة، التى ترسخت عبر آلاف السنين منذ العصر الفرعونى وحتى العصر المملوكى، تلك الثقافة التى ترتكز على الاستسلام لما يفرضه عليهم الفرد المستبد، والالتزام معه، وتمرير -وأحياناً تبرير- ظلمه، والنظر إلى المسألة كقدر مقدور. وحين يأتيهم المستبد العادل يحمدون ربهم الذى أرسل إليهم من ينقذهم، أما إذا ظهر على رأسهم شخص عادل وفقط، فلا عيش له معهم، لأنه يفتقد شرط الاستبداد، وهم يحبون من يستبد بهم، ويضع سيفه على رقابهم، فإن كان عادلاً، فبها ونعمت، وإن لم يكن فوعد ومكتوب.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرافيش والأعيان الحرافيش والأعيان



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 07:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم
 العرب اليوم - الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم

GMT 20:51 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
 العرب اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab