بقلم - محمود خليل
على المستوى السياسي تمحورت فلسفة "الحسن بن علي" حول مبدأ "الشورى". يقول في ذلك: "والله ما تشاور قوم قط إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم". هذه رؤية رجل تأدب بأدب القرآن الكريم: "وأمرهم شورى بينهم"، وخبر الحياة، وفهم أن الفردية واحتكار الرأي غالباً ما يؤديان بالفرد والجماعة إلى الهلاك.حدثتك عن أن الحسن كان صاحب رؤية إصلاحية، وتبرز الشورى كأحد الأسس المهمة للإصلاح، وذلك لعدة أسباب:أولها أن الشورى بالنسبة لمن يجلس على مقعد القيادة معناها وعيه بأنه لا يستطيع مهما بلغت درجة ذكائه أن يلم بأي موضوع مطروح للنقاش من كافة أطرافه، أو أن يكون لديه مخزون معرفي شامل عنه، وبالتالي يصح أن يستنير بمعلومات ووجهات نظر غيره، وأن يصغي سمعه لها، ويتسع أفقه لاستيعابها. وفي ذلك حماية للفرد من أن يتحمل المسئولية كاملة عن القرار الذي اتخذه، إذ تشاركه الجماعة في المسئولية. ولو أنك تأملت الأداء السياسي للحسن فستجد أنه توافق مع الجماعة التي بايعته على مبدأ "مسالمة من سالم ومحاربة من حارب"، وحين اتخذ قراره بالتنازل عن الخلافة ذكّر المعترضين عليه بهذا المبدأ، وأنه توافق معهم عليه بشكل جماعي، فبات تشريعاً ملزماً للجميع. ولك أن تتصور أن الحسن بن علي ذلك الرجل الإصلاحي رأى أن تكون الشورى أساساً للإدارة وصناعة القرار في ظل واقع كان شديد البساطة إذا قيس بالواقع المعقد الذي نعيشه اليوم، وهو ما يجعل مبدأ "الإدارة الجماعية" و"الجماعية في صناعة القرار" أمراً لازماً لزوم الفرض، والابتعاد عن الفردية واحتكار القرار، لما في ذلك من خطر على الفرد والجماعة.ثانيها أن الشورى بالنسبة للمجموع هي حق لا مراء فيه. فكل قرار يتخذه من يجلس على مقعد القيادة يؤثر على المجموع، وقد يتسبب في مشكلات عديدة لهم. ولو أنك تأملت التجربة الإصلاحية "الحسنية" فسوف تجد أن القرار الذي كان سيتخذه إزاء خصومته مع معاوية، سواء بالحرب أو بالسلم كان سيؤثر أشد التأثير على الجماعة، وكان لديه أسباب واضحة الوجاهة دعته إلى التنازل عن الخلافة لمعاوية، منها خذلان من حوله له، بعد أن أصبحوا بين قتيل بصفين (المعركة التي وقعت بين علي ومعاوية) يبكون له، وقتيل بالنهروان (المعركة التي وقعت بين علي والخوارج) يطلبون ثأره، ثم تأتي رغبته الصادقة في حقن دماء المسلمين، حتى ولو كان في ذلك حماية لنفس مسلمة واحدة، كان "الحسن" يعلم جيداً أن "من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"، ثم الارتكان إلى قاعدة: "الزمن كجزء من العلاج"، فقد أجّل الحسن المسألة إلى حين يقضي الله أمراً كان مفعولاً في "معاوية" الذي كان يسير في طريق الشيخوخة.الشورى واجب على الفرد.. كما أنها حق للجماعة، والاحتكام إليها مثّل الضمانة الأولى لاستقرار المسلمين بدءاً من سنة 41 هجرية، بعد سنين طوال اقتتلوا فيها، وخلّف اقتتالهم أرقاماً مزعجة من القتلى والجرحى والأيتام والأرامل والثكالى، غير ما أورثه داخل نفوسهم من احتقان وغضب ورغبة عارمة في الثأر، وهو ما أدي إلى تراجع مقتضيات مفهوم "النقاء الإيماني" في حياتهم.