بقلم - محمود خليل
أواخر عام 2017 أعلن بابا الفاتيكان تضمين رحلة العائلة المقدّسة (المسيح والصديقة مريم ويوسف النجار) إلى مصر ضمن برنامج الحج الفاتيكانى لعام 2018، وذلك فى قداس حضره وزير السياحة المصرى، وبارك البابا خلاله للمرة الأولى الأيقونة الخاصة برحلة العائلة المقدّسة، واعتمدها كرمز رسولى للترويج لرحلة العائلة، مثل شجرة الزيتون للحج بالقدس.
الحدث يبدو كبيراً، ويمثل تأكيداً جديداً لقداسة الأرض التى نعيش فوق ترابها، والتى مرت عليها العائلة المقدسة.
جاءت العائلة إلى مصر بحثاً عن الأمان، بعد ما أحيط بها من جانب طغاة بنى إسرائيل الذين لم يلمحوا وجه المعجزة فى المسيح، وأبوا الإيمان به، حماية لمصالحهم، وإبقاءً على ما أصاب عقيدتهم من هزال، بعد أن انقضى عهد نبى الله موسى، عليه السلام.
كان المسيح لم يزل فى المهد صبياً، حين تربّص له بنو إسرائيل والرومان.
الفريقان كانا متحسبين من أى خطر يمكن أن يزلزل أركانهم، وقد رأوا بأعينهم كيف تمكن نبى الله يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان) من تحرير عقول وأفئدة كل من اقترب منه.
كان «المعمدان» يغسل رؤوس التائبين من بنى إسرائيل بماء نهر الأردن، حتى ظن بعضهم أنه المسيح، سألوه إن كان؟، فأجاب بأنه ليس هو، أكد لهم أنه يعمّدهم بالماء ليُمهد الطريق لصاحب «معمودية النار».
كان مصير «يوحنا» الذبح بإيعاز من «سالومى» صاحبة رقصة «الغلالات السبعة»، التى هزت جسدها أمام الإمبراطور الرومانى «هيرودس»، فانتشى، وفى غمرة نشوته طلبت منه رأس «المعمدان»، فقطعه، ووضعه بين يديها. تعالوا نُبحر فى كتب التراث لنستكشف ما قالته حول معالم الرحلة المقدسة.
ينقل «ابن كثير» عن ابن عباس قوله: وكان عيسى يرى العجائب فى صباه، إلهاماً من الله، ففشا ذلك فى اليهود، وترعرع عيسى، فهمّت به بنو إسرائيل فخافت أمه عليه، فأوحى الله إلى أمه أن تنطلق به إلى أرض مصر، فذلك قوله تعالى (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ).
كان بنو إسرائيل يعلمون أنه نبى صاحب معجزات، لكنها المصالح، التى كان لديهم كامل الاستعداد للدفاع عنها، حتى لو كان بالقتل، كما فعلوا مع المعمدان.
لم يكن أمام مريم سوى أن تفر بوليدها إلى أرض أكثر أمناً حتى تحافظ على حياته وتكتمل رسالته.
وكان الفرار إلى مصر، وهى الأرض التى شاء الله تعالى أن يسوق نبيه يوسف إليها، ثم وفد إليها الأسباط الأحد عشر، ونبى الله يعقوب، ومن نسل بنى إسرائيل فى مصر جاء نبى الله موسى.
مكث المسيح والصدّيقة مريم فى مصر اثنتى عشرة سنة، ولما بلغ ثلاث عشرة سنة أمر الله أن يرجع من بلاد مصر إلى بيت إيليا. يقول ابن كثير: «فقدم عليه يوسف ابن خال أمه فحملهما على حمار حتى جاء بهما إلى إيليا وأقام بها حتى أحدث الله له الإنجيل وعلمه التوراة وأعطاه إحياء الموتى وإبراء الأسقام والعلم بالغيوب، مما يدّخرون فى بيوتهم. ولما عاد عيسى وأمّه إلى الشام نزلا بقرية يُقال لها ناصرة، وبها سُميت النصارى، فأقام إلى أن بلغ ثلاثين سنة، فأوحى الله إليه أن يبرز للناس ويدعوهم إلى الله تعالى ويداوى المرضى والزمنى والأكمه والأبرص وغيرهم من المرضى، ففعل ما أمر به، وأحبّه الناس، وكثر أتباعه، وعلا ذكره».