قيراط حظ ولا فدان شطارة

قيراط حظ ولا فدان شطارة

قيراط حظ ولا فدان شطارة

 العرب اليوم -

قيراط حظ ولا فدان شطارة

بقلم - د. محمود خليل

الصدف السعيدة وضربات الحظ تعد معلماً مهماً من معالم التركيبة الثقافية المملوكية، فالصدفة والحظ أحياناً ما لعبا دوراً فى أحداث هذه الحقبة من تاريخنا، كما حدث فى حقب أخرى، لذا اخترع المصريون المثل الذى يقول «قيراط حظ ولا فدان شطارة»، إشارة إلى بعض المواقف التى يتفوق فيها أشخاص أقل قدرة على آخرين أكفأ وأشطر منهم، ويحصدون نتاج جهدهم ويتصدّرون به المشاهد.

فوق إحدى ربوات «قلعة الجبل» وقف السلطان الناصر صلاح الدين وإلى جواره أخوه ووريث عرشه أبوبكر بن أيوب الملقب بـ«العادل»، ينظر إلى بناء القلعة الشامخ ويقول لأخيه: «حلال عليك وعلى عيالك من بعدك»، لأنه كان يعلم أنهم سيرثون سلطانه. وفى الأزبكية شيد المملوك الأمير محمد بك الألفى قصراً منيفاً مبهجاً، يسر الناظرين، وقرر أن يتخذ منه منزلاً يباهى به غيره من الأمراء، وقبل أن يفعل داهم نابليون البلاد فى حملة معتبرة وسيطر على القاهرة، وفرّ محمد الألفى، وترك قصره العامر، ليتخذ منه سارى عسكر الحملة منزلاً له، وهو القصر الذى قُتل فى حديقته القائد الفرنسى «كليبر» على يد سليمان الحلبى.

المصريون مثل المماليك، يشكل التدين أحد أسس نظرتهم إلى الحياة. ورغم كل ما ردّدوه عن الحظ والشطارة من أمثال، إلا أنهم كانوا يرون أن تلك تصاريف القدر، وكانوا يستوعبون المعنى الجليل الذى يشتمل عليه الحديث القدسى الذى يقول: «وعزتى وجلالى لأرزقن من لا حيلة له حتى يتحير أصحاب الحيل». فلا أحد يعلم أين يخبئ الله ما هو خير له، لكنها النفس البشرية التى تحاول التحايل على قيم الدين بأمثال شعبية تعكس أحوال الدنيا.

حاول البعض الاعتماد على خلطة تمزج بين إيمانهم بالقدر، والتفاتهم إلى حظوظ الدنيا، فالدين يرسم الأقدار، لكن الدنيا حظوظ، وإلا كيف نفسر ما جاء على لسان الناس وهم ينظرون إلى قارون كما يحكى القرآن الكريم: «يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون إنه لذو حظ عظيم»، رغم أن الخالق العظيم نبّه إلى أن أحوال الدنيا رزق ونصيب: «ولا تنسَ نصيبك من الدنيا».

مثّلت الصوفية التى انتعشت فى العصر المملوكى ملتقى لتلك الخلطة، فالقرب من الأولياء وعباد الله الصالحين يجلب الخير والبركة، والتبرك بالمجاذيب ومن على شاكلتهم بات جزءاً لا يتجزّأ من ثقافة جلب المنافع وتحقيق الأمنيات. يستوى فى ذلك الأمراء مع أولاد البلد. تجد ذلك حاضراً فى الدور الذى لعبه كبار العارفين بالله فى تسوية الصراعات الكثيرة التى كانت تقع بين الأمراء المماليك، مثلما تدخّل الشيخ أبوالسعود الجارحى عند تولية طومان باى سدة السلطنة وأخذ له العهد بالسمع والطاعة من الأمراء. كما تجده شاخصاً فى تعلق أولاد الناس بالمجاذيب أو أصحاب الهمم (والخير أن نقول أصحاب النعم) والتبرك بهم، وفى الوقت نفسه النظر إليهم كتميمة حظ.

كان مؤلماً على النفس القدرية أن تقبل فكرة الحظ والصدف بسهولة، فأعادت إنتاجها بسرعة فى مطابخ التلفيق، وبدأت تستجلب الحظ عبر الأوهام التى زُرعت فى النفوس، دون أن تأبه إلى المخاطر المتعلقة بهذا النمط من التفكير الخطير الذى يقدم الحظ على الشطارة، وأثره السلبى فى ضرب قيم الاجتهاد، وما يحمله من دعوة صريحة إلى التكاسل والتواكل، وانتظار النفحات التى تأتى من باب الله، وأمطار الذهب والفضة التى ستُرسل بها السماء، وتفجر الأرض بينابيع الخير.. وادينى حظ وارمينى فى البحر.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قيراط حظ ولا فدان شطارة قيراط حظ ولا فدان شطارة



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - الدانتيل بين الأصالة والحداثة وكيفية تنسيقه في إطلالاتك

GMT 05:59 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية
 العرب اليوم - نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية

GMT 16:09 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية
 العرب اليوم - أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية

GMT 06:31 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

ثريدز تختبر إعلانات وصور بين المنشورات للمستخدمين
 العرب اليوم - ثريدز تختبر إعلانات وصور بين المنشورات للمستخدمين

GMT 03:25 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يعتزم مواصلة الانتشار جنوبي لبنان

GMT 03:17 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

زلزال قوي يهز إثيوبيا بقوة 4.7 ريختر

GMT 03:24 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

الحصبة تتفشى في المغرب 25 ألف إصابة و120 وفاة خلال 16 شهرا

GMT 11:32 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

يسرا اللوزي تتحدّث عن الشخصية التي تتمنى تقديمها

GMT 08:46 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

في ذكرى صاحب المزرعة

GMT 09:25 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

ألوان ديكورات 2025 تعيد تعريف الفخامة بجاذبية جريئة

GMT 08:44 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

كيف ستكون علاقتنا مع ترمب؟

GMT 08:42 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

مناخر الفضول وحصائد «فيسبوك»

GMT 14:00 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

أخطر سلاح في حرب السودان!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab