«جركسي» فوق «الشجرة»

«جركسي» فوق «الشجرة»

«جركسي» فوق «الشجرة»

 العرب اليوم -

«جركسي» فوق «الشجرة»

بقلم: د. محمود خليل

لا يختلطن عليك الأمر ونحن نتحدث عن الشجرة، فتخلص إلى أننى أرمى إلى الشجرة الملعونة التى ورد ذكرها فى الآية الكريمة التى تقول: «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْآنِ»، بل إننى أقصد شجرة «قودوش»، فى حين أن الشجرة الملعونة فى القرآن هى شجرة الزقوم «طعام الأثيم»، وهى ليست ملعونة فى ذاتها، بل تحل اللعنة على آكلها من الآثمين.

اهتم «ميخائيل شاروبيم»، مؤلف كتاب «الكافى فى تاريخ مصر القديم والحديث» وأحد كبار المؤرخين المصريين، بالتأصيل لشجرة «قودوش» وأطال الحديث عنها وهو يحكى عن أصل الجراكسة الذين حكموا مصر لعدة عقود متصلة، بدءاً من السلطان برقوق حتى السلطان طومان باى، وتواصل حبل وجودهم فى دواليب الإدارة والسياسة فى مصر إلى عصر محمد على، وكذلك خلال الحقب التى تلته.

زمان عندما كانت بعض الأمهات يتندرن على أولادهن بوصف أحدهم بـ«الكتكوت الجركسى» حين يبدو منتفخاً ثائر الشعر، فى استدعاء واضح لصورة الأمراء الجراكسة وأبنائهم المنتفخين الذين يجوسون فى البلاد، وحين كتب الراحل «عبدالحى أديب» سيناريو وحوار فيلم «المماليك» عن قصة «نيروز عبدالملك»، أطلق على السلطان الذى يحكم مصر حينذاك اسم «جركس» ليعبر به عن كل جركسى تسلطن على بر المحروسة خلال هذه الفترة.

والجراكسة بالأصل قوم رعاة اعتادوا العيش بالخيام فى مناطق عدة بآسيا العليا (القوقاز)، وتناسلوا وتكاثروا حتى زادت أعدادهم بصورة ملحوظة، وامتازوا بالقوة والكفاءة فى القتال، لذلك اتجه بعض ولاة وسلاطين ذلك الزمان إلى الاستعانة بأبنائهم وشبابهم كمماليك يعملون فى خدمتهم، يدفعون لهم مقابل استغلال قوتهم وبلائهم ضد خصومهم السياسيين.

داخل آسيا العليا -كما يقول «شاروبيم»- ظهر الجراكسة وكانوا قوماً وثنيين يعبد بعضهم قوى الطبيعة وبعضهم الأصنام، لكن غالبيتهم كانت تقدس شجرة كبيرة متعددة الفروع والأغصان تنبت ما بين جبلين أطلقوا عليها «شجرة قودوش». علاقة الجراكسة بالشجرة اتسمت بالعجب كل العجب، فقد كانوا يُصلون لها ويتعبدون فى محرابها، وكان يحط عليها فى كل عام طائر كبير، يترك نفسه لأقرب عابر سبيل ليقوم بذبحه وتقديمه قرباناً للشجرة المقدسة.النشاط الاقتصادى الأساسى للجراكسة تمثل فى الإغارة على الآخرين وسرقتهم ونهب ممتلكاتهم، وقد ارتبط هذا النشاط بصورة أو بأخرى بشجرة «قودوش»، حيث كانوا يلتمسون منها البركة والنصر قبل كل غارة، فإذا صادفهم التوفيق وفازوا بما يريدون، عادوا إلى الشجرة فقدموا لها القرابين، فى ممارسة تتشابه مع ممارسات عرب مكة مع أصنامهم قبل الإسلام.وكان لشجرة «قودوش» المقدسة نواب عبارة عن أشجار أصغر يختارها الجراكسة بأنفسهم.

فكل من رأى منهم شجرة مورقة أخذ يحيطها برعايته وعنايته ويبدأ فى تقديسها وتسميتها كنائب للشجرة الأم.قبل كل موسم حصاد أو غارة يقومون بها بغرض السلب والنهب تعود الجراكسة التضرع للشجرة النائبة أن ترزقهم من خير الموسم وخير ضحاياهم، فإذا حدث ما يرجون قدموا القرابين إليها، وإذا كانت الأخرى حنقوا عليها، ووبخوها لأنها لم تسمع نداءهم، ونزعوا أوراقها وقطعوا غصونها واقتلعوها وأحرقوها، ليبدأوا بعد ذلك فى البحث عن شجرة أخرى مورقة يعبدونها!.إنهم الجراكسة الآباء الذين عاشوا فوق الشجرة.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«جركسي» فوق «الشجرة» «جركسي» فوق «الشجرة»



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - الدانتيل بين الأصالة والحداثة وكيفية تنسيقه في إطلالاتك

GMT 05:59 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية
 العرب اليوم - نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية

GMT 16:09 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية
 العرب اليوم - أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية

GMT 06:31 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

ثريدز تختبر إعلانات وصور بين المنشورات للمستخدمين
 العرب اليوم - ثريدز تختبر إعلانات وصور بين المنشورات للمستخدمين

GMT 03:25 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يعتزم مواصلة الانتشار جنوبي لبنان

GMT 03:17 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

زلزال قوي يهز إثيوبيا بقوة 4.7 ريختر

GMT 03:24 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

الحصبة تتفشى في المغرب 25 ألف إصابة و120 وفاة خلال 16 شهرا

GMT 11:32 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

يسرا اللوزي تتحدّث عن الشخصية التي تتمنى تقديمها

GMT 08:46 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

في ذكرى صاحب المزرعة

GMT 09:25 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

ألوان ديكورات 2025 تعيد تعريف الفخامة بجاذبية جريئة

GMT 08:44 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

كيف ستكون علاقتنا مع ترمب؟

GMT 08:42 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

مناخر الفضول وحصائد «فيسبوك»

GMT 14:00 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

أخطر سلاح في حرب السودان!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab