بقلم: د. محمود خليل
عتب «الحسين» على شقيقه «الحسن» حين تنازل عن الخلافة لـ«معاوية»، فقد أراد حسم الأمر، لأنه توقع خطر ما يحمله «معاوية» من أفكار وتوجهات على حلمه فى إقامة المجتمع المثالى الراشد، كما تحقق فى عصر جده النبى صلى الله عليه وسلم، وخلال فترة الشيخين.
كما أنه لم يكن يطمئن لمسألة أن يفى «معاوية» بالجانب الذى يخصه فى اتفاق التنازل بأن تعود الخلافة بعد وفاته إلى «الحسن».
تدفقت الأحداث فى الواقع لتثبت صدق ما ذهب إليه «الحسين» من تشكك فى موقف معاوية. فقد فوجئ بوفاة أخيه «الحسن» عام 49 هجرية، وتناثرت الأقوال بأنه مات مسموماً على يد زوجته جعدة.
ينقل «ابن كثير» فى «البداية والنهاية» أن الطبيب الذى عاود «الحسن» قبل وفاته قال: «هذا رجل قطع السم أمعاءه»، وقد طلب أخوه «الحسين» أن يخبره عمن دس السم له فأبى، ثم أردف «ابن كثير»: «وروى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث (زوجة الحسن) أن سُمِّى الحسن وأنا أتزوجك بعده ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إليه، فقال: إنا والله لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا؟!»، وينفى ابن كثير هذا الزعم قائلاً: «وعندى أن هذا ليس بصحيح».
لا نستطيع أن نجزم بالطريقة التى توفى بها «الحسن»، لكن تشكّك «الحسين» فى مسألة اغتياله بالسم بدا منطقياً.
فبعيداً عن الرواية التى يأبى «ابن كثير» قبولها والتى وصف فيها الطبيب حالة «الحسن» بأنه مسموم، كانت المعلومات قد بدأت تتناثر بأن «يزيد» يريد المُلك من بعد أبيه، وأن «معاوية» يعد العدة لذلك، وأولى الخطوات التى كان يتوجب اتخاذها لإتمام التحول غياب «الحسن» عن المشهد، والدليل على ذلك ما يذكره «ابن كثير» نفسه من أن معاوية بدأ يجاهر صراحة ببيعة ابنه «يزيد» من بعده عقب وفاة «الحسن» ببضع سنوات، فبدءاً من العام 56 هجرية، يسرد: «وفيها -أى سنة 56 هجرية- دعا معاوية الناس إلى البيعة ليزيد ولده أن يكون ولى عهده من بعده وكان قد عزم قبل ذلك على هذا».
المعلومات حول عزم «معاوية» تولية ابنه «يزيد» من بعده كانت متوافرة لدى «الحسين»، لذلك كان من الطبيعى أن يرجح أن «يزيد» له دخل فيما حدث، بحكم أنه الأكثر استفادة من اختفاء «الحسن».
أُترع قلب «الحسين» بالحزن على أخيه، والغضب من «يزيد» بعد أن تشكك فى أنه المسئول عن دس السم فى العسل لشقيقه، لم يأخذ الحسين «جعدة» أو غيرها بالشبهة، لكنه أضمر فى نفسه أمراً تدلل عليه الأحداث التى تدفقت فيما بعد، ملخصه الصبر على «معاوية» حتى يقضى الله فيه أمره، وأن يدخل فى مواجهة صريحة مع «يزيد» بعد ذلك، إذ لم يكن لمثل من يملك حُلم «الحسين» بالدولة الديانة، ومن يملك عزمه وحسمه، وثوريته على ما يراه ضرباً لقيم الدين، أن يتباطأ فى مواجهة «يزيد» حتى لو وقف أمام جيوشه وحيداً.
كان من الطبيعى أن يفكر «الحسين» على هذا النحو، وهو يعاين مصير شقيقه «الحسن» الذى تعامل بنبل وترفع وتنازل عن الخلافة لمعاوية حقناً للدم المسلم، فى وقت لم يصن فيه معاوية وولده العهد معه، وكذلك وهو يراقب الترتيبات التى بدأ يقوم بها الخليفة لجر المجتمع المسلم إلى دولة «الملك العضوض».