بقلم: د. محمود خليل
مع مطلع يناير من العام 2020 بدأ جيل الألفية يسمع -شأنه شأن كل من يعيش فوق ظهر الكوكب- عن حالات إصابة ظهرت فى الصين بوباء اسمه كورونا «كوفيد 19»، تعامل الجيل بأسلوبه الخاص مع الطارئ الجديد على الحياة، فجعله موضوعاً للسخرية المُرة، وساحة لترويج الشائعات التى تهول من الأمر مرة وتهون منه مرة، ثم بدأ يشعر بالأزمة فى الختام بعد أن أصاب الوباء صميم معيشته.
بعض أفراد جيل الألفية كانوا لا يزالون فى مراحل التعليم خلال السنوات التى شهدت الموجات المتتالية للجائحة، هؤلاء أعجبتهم لعبة التعليم عن بعد، أو التعليم الإلكترونى، سواء على مستوى الدراسة أو الامتحان، اتسقت البيئة التعليمية الجديدة مع ولعهم بالتكنولوجيا التى ولدوا ونشأوا فى رحمها، ومع تركيبته الميالة إلى البراجماتية والتفكير العملى، إنهم يعرفون هدفهم جيداً، وهو يتمثل فى الحصول على شهادة من أيسر وأقصر الطرق الممكنة، والطريق الذى فرضته الجائحة قصير ويسير.هذه النتيجة المترتبة على الجائحة، قابلتها نتيجة أخطر غير مُرحب بها.
تتعلق بالسؤال المعيشى، بعض الآباء والأمهات داخل الأسر التى تضم بين أعضائها أفراداً من جيل الألفية اضطروا إلى ترك أعمالهم، الضربة أصابت الجميع، بدءاً ممن يشغلون مواقع وظيفية رفيعة، وحتى أصغر العمال والحرفيين.
القلق المعيشى أكثر ما يوجع جيل الألفية، وقد بدأت إرهاصاته فى الظهور، وبدأ يدعم بعد ذلك بقلق أكبر على المستقبل، حين يطرح الشاب على نفسه سؤالاً حول مستقبله العملى.. فأين سيعمل أو يتوظف فى وقت تستغنى فيه بعض المؤسسات عمن يعملون لديها بفعل تداعيات الجائحة؟.
وفى الوقت الذى كانت الجائحة توشك على وضع أوزارها بدأ شبح التضخم فى الظهور، فارتفعت الأسعار داخل كل دول العالم. بدا الأمر وكأنه زلزال ضرب فكرة «الاستقرار المعيشى» التى يحلم بها جيل الألفية.
ثم تفاقم الأمر أكثر وأكثر بفعل ما أسمته روسيا الاتحادية «العملية العسكرية فى أوكرانيا»، فتحول حريق الأسعار فى العالم إلى انفجار، دفع جيل الألفية داخل مجتمع -مثل المجتمع الأمريكى- للمشاركة بقوة فى انتخابات التجديد النصفى بالكونجرس الأمريكى، ليحرم الحزب الجمهورى من فرصة اكتساح الانتخابات كما كان متوقعاً، وليفوز بأغلبية بسيطة، سوف تعجز أعضاء الحزب عن إيقاف التشريعات التى يزمع الرئيس جو بايدن اتخاذها ضد المؤسسات المسئولة عن رفع الأسعار، والسياسات التى أعلن عن نيته فى تبنيها لمواجهة شبح الغلاء.
وخارج المجتمع الأمريكى بدأ هذا الجيل يتحرك داخل العديد من المجتمعات مدفوعاً بـ«منظوره المعيشى» للسياسة.
وهو منظور قد يقول قائل إنه يشكل محركاً أولاً لكل الأجيال، وهو كلام صحيح فى المجمل، لكنه فى التفصيل يغفل أمرين: أولهما تمكن فكرة «التطلع الاستهلاكى» من جيل الألفية أكثر من أى جيل آخر، والثانى أنه عكس غيره من الأجيال يعتبر «المعيشة وأوضاع الاقتصاد» مدخلاً للسياسة، ولا يكترث بالسياسة كأساس للاقتصاد.