بقلم - محمود خليل
مبادرة لافتة تبنّتها إدارة الحج بالأراضى المقدسة أطلقت عليها مبادرة «الحجر الأسود الافتراضى»، حيث يصبح بالإمكان لمس الحجر افتراضياً عبر تقنية الواقع الافتراضى، الذى يحاكى الواقع الطبيعى، ويمنح المتعامل مع الإنترنت إحساساً افتراضياً بأنه يقف أمام الحجر الأسود ويلمسه بيده ثمة تحولات كثيرة تشهدها صور وأشكال التعبّد بالتزامن مع التطورات المتلاحقة فى تكنولوجيا الاتصال والمعلومات. فالمسبحة باتت رقمية تعمل بالضغط والعد الرقمى، بعد أن كانت «حبات» تدور بالسحب والحساب الذهنى. وخلال جائحة كورونا ظهرت بعض الدعوات إلى أداء الصلاة عن بُعد، عبر الاتصال بالمركز الجامع من خلال إحدى وسائل التواصل، فما دام العمل أصبح عن بُعد، وكذلك التعليم، فيمكن أن تتم العبادة هى الأخرى بالصورة نفسها لم تتوقف المسألة عند حد الصلاة، بل تجاوزتها إلى شعيرة الحج، وقد أعلنت إحدى الشركات الألمانية العام الماضى تطوير برنامج تفاعلى لما أطلقت عليه الحج الافتراضى، تزامناً مع تفشى فيروس كورونا ولعلك تذكر أيضاً أن الداعية عمرو خالد فاجأ متابعى حسابه على «فيس بوك» منذ بضع سنوات بوقوفه على جبل عرفات خلال أدائه فريضة الحج ودعوته الجميع للانخراط معه فى طقس دعاء افتراضى، يستشعرون من خلاله أنهم يقفون على جبل الرحمة ويدعون العاطى الوهاب.
هناك يافطة تجمع بين هذه الأفكار والأنشطة، هى يافطة «التدين المرقمن»، وهى يافطة لا تتعلق بالإسلام على وجه الخصوص، بل تسرّبت أفكارها وأنشطتها إلى الكثير من الأديان السماوية الأخرى. وقد بدأت فكرة الرقمنة فى الأديان فى المجال الوعظى والدعوى، حين اتجه الكثير من الدعاة، وكذلك المؤسسات الدينية الرسمية إلى إنشاء حسابات لهم على مواقع التواصل الاجتماعى، وجعلوها نافذة لنشر أفكار ومواعظ وفتاوى دينية، وقد اتّهمت هذه الحسابات من جانب البعض بتقديم معارف مختزلة حول الأديان بعد الوعظ والدعوة دخلت «الأنشطة التعبُّدية» هى الأخرى على خريطة الواقع الافتراضى، فبدأت بعبادة «الدعاء»، ومنه إلى الصلاة، ثم الحج ومناسكه، وهو التحول الذى كان مثار انتقاد أيضاً من جانب الكثيرين، انطلاقاً من أن الحضور الواقعى هو الأساس فى أى عبادة، فالبعض يذهب إلى أن أثر العبادة فى نفس المؤمن ترتبط بفكرة التلاحم الجسدى فى العبادات الجامعة، كعبادة الصلاة وفريضة الحج، وأن الأداء الافتراضى يفرّغ العبادة من معناها الحقيقى وأثرها المطلوب.
فالحج الافتراضى على سبيل المثال لا توجد فيه مشقة السفر والتحرّك والالتئام مع المسلمين الآتين من كل فج عميق إلى هذه البقعة المباركة تلبية لنداء ربهم: «وأذن فى الناس بالحج»، ولا يُعقل أن يلبّى نداء الخالق العظيم بصورة افتراضية، خصوصاً أن القرآن الكريم ربط بين التلبية والحركة: «يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق» من المؤكد أن معطيات التكنولوجيا الحديثة تفرض نفسها على الواقع، وليس يدرى أحد ماذا سوف يكون أسلوب المتدينين فى التعبُّد بعد عقود من اليوم؟ وقد سبق وتحفّظ المسلمون على المطبعة ورفضوا طباعة القرآن الكريم بالكبس والحبر «الزفر»، وسبق أن تحفّظوا على تلاوته من خلال أسطوانات أو عبر أثير الإذاعة، ثم تحولوا عن هذا الرأى وأخذوا بمعطيات التكنولوجيا، فهل يمكن أن يحدث ذلك بالنسبة لموضوع الأداء الافتراضى للعبادات؟.. الله تعالى أعلى وأعلم.