بقلم: د. محمود خليل
للمرأة قصص طويلة في حياة الحسن بن علي، رضي الله عنهما. يحكي «علي الصلابي» صاحب كتاب «الحسن بن علي» ما قدمه الرواة والقالة من كتاب التراث، ويشير إلى أن «أبوطالب المكي» ذهب إلى أن «الحسن» تزوج 250 مرة أو 300 مرة، وأن علياً أباه كان يغضب من ذلك، وينصح الأسر بألا يزوجوه، ويقول لهم: «إن حسناً مطلق فلا تزوجوه، وترد عليه الأسر: والله يا أمير المؤمنين لننكحنه ما شاء، فما أحب أمسك، ومن كره فارق». قال البعض الآخر إن «الحسن» تزوج 90 مرة، وخفض البعض العدد إلى 70 مرة وهكذا. وكلها روايات قيلت في سياق شرح حالة الولع التي ميزت الحسن بن على بالزواج.
لو قبلنا الأعداد السابقة على سبيل الجدال، وقلنا إن «الحسن» بدأ رحلة الزواج وعمره 15 عاماً فقط، وعاش بعد ذلك حتى الـ46 من عمره، فمعنى ذلك أنه ظل يتزوج لمدة 31 سنة، ولو قسمنا الرقم الأول لعدد زيجاته (300 زوجة) على الـ31 سنة، فالمعنى أنه كان يتزوج 10 مرات في العام الواحد، وإذا أخذنا الرقم الثانى فعلينا أن نسلم بأن متوسط عدد زيجاته في العام 8 مرات، ورقم الـ90 يعنى أنه يتزوج كل عام 3 زوجات، ورقم الـ70 يعنى أنه يتزوج مرتين في العام.
وجه الخلل واضح في الطرح الذي قدمه كتاب التراث في عدد زوجات الحسن، رضى الله عنه، وجانب المبالغة واضح، ولا تكاد المسألة تخلو من دس، لسبب آخر بسيط للغاية وهو أن عدد أولاد الحسن بلغ 22 ولداً وبنتاً، وهذا العدد من الأولاد لا يستقيم بتاتاً مع عدد الزيجات المنسوبة إلى «الحسن».
كان الرجل مثل كل أبناء عصره ومجايليه يعدد في الزوجات، ولكن ليس بهذه الأرقام الكاذبة، وأنجب عدداً من الأولاد يتناغم أيضاً مع الثقافة الإنجابية في عصره، ولعلك تعلم أن هذه الثقافة تواصلت في حياة المسلمين حتى عهود قريبة، فخلال القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين، كان الرجل في مصر يعدد الزوجات، ويطلق ويتزوج، وينجب بعضهم أعداداً تتماثل مع ما أنجبه الحسن، رضى الله عنه.
اللافت في سيرة الحسن بن علي أن رحيله عن الحياة جاء على يد إحدى زوجاته، فقد مات مسموماً سنة 49 هجرية، «سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي»، كما تذهب كتب التراث، ثمة اتهام وجه إلى معاوية بالضلوع في ذلك، لكن لا يوجد ما يثبت صدق الأمر، والأصل في هذا الاتهام أن «معاوية» كان صاحب مصلحة واضحة في اختفائه، ليورث الحكم من بعده إلى ولده «يزيد».
أوصى «السبط» أن يدفن عند جده وحبيبه النبى، صلى الله عليه وسلم، إلا أن تخشى فتنة فينقل إلى مقابر المسلمين، فاستأذن «الحسين» عائشة فأذنت له، فلما توفي أرادوا دفنه عند النبى صلى الله عليه وسلم، لكن مروان بن الحكم وأشياعه من بني أمية رفضوا، ثار «الحسين»، وكادت تقع فتنة، لولا أن ذكّره أحدهم بوصية أخيه بأن يدفن في مقابر المسلمين، إذا كان دفنه مع جده سيُحدث فتنة، وهو ما كان.
انتهت حياة الرجل الذي عاش حياته محارباً للفتنة، ولم يجد غضاضة في أن يتنازل عما يستحق في سبيل كتم الصراعات، وحماية دماء من حوله، وظل يدافع عما آمن به حتى آخر لحظة في حياته. رحل «الحسن» لكن رؤيته النافذة للحياة بقيت في جمل مأثورة تمنح من يتأملها صورة جليلة للحكمة الفريدة التي امتلكها سبط النبي صلى الله عليه وسلم.