الإيمان الصامت

الإيمان الصامت

الإيمان الصامت

 العرب اليوم -

الإيمان الصامت

بقلم: د. محمود خليل

النفوس المهزوزة لا يسوقها الإيمان قدر ما يحركها الظن السيىء، فالإيمان يقين والظن السيىء جزء من طابع الأحياء القائم على الشك، لذلك كان من الطبيعي أن يواجه بنو إسرائيل الصديقة "مريم" بالاتهام، حين دخلت عليهم وهي تحمل طفلها، أمطروها بصحيفة طويلة عريضة من الشكوك: "قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا".

كانت "مريم" تقف على قدميها بنفس مؤمنة مطمئنة. لقد فهمت المعجزة التي حدثت، وأن وليدها الذي تحمله للناس آية من آيات القدرة الإلهية.

أخذت تستمع إلى الاتهامات الموجهة إليها صامتة، ثم أشارت إلى وليدها ليتحدثوا معه، عملاً بنصيحة ملاكها الحارس: "فإما ترين من البشر أحد فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسياً".

الصمت عن الكلام يمثل نوعاً أصيلاً من الصيام، فقد جعله الله آية لنبيه زكريا، وكان الصيام هنا جبرياً، إذ عقد الخالق لسان زكريا عن الكلام فتحول إلى الحديث مع الناس بالرمز: "قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا".

أما صمت الصديقة فبتوجيه من الخالق العظيم، وانطلاقاً من أن هناك من سينوب عنها في الكلام.

لم يكن الامتناع عن الكلام قرار "مريم" عليها السلام، بل وحياً من السماء، وحين ألح قومها على سؤالها حول الطفل الذي تحمله بدت الحكمة في التوجيه الإلهي فنطق الطفل الصغير الراقد في المهد صبياً معلناً نبوته وحمله لرسالة السماء وكلمة الله تعالى إلى أهل الأرض.

الصوم عن الكلام كان عتاباً لزكريا، حين وقف متحيراً أمام قدرة الخالق الذي وعده بغلام وهو في هذا العمر المتقدم، وكان وحياً إلى الصديقة مريم، لخلق سياق موات لتأكيد معجزة السماء في إنطاق الطفل الصغير الذين لم تتشكل عنده ملكة الكلام بعد.

لم يمارس النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا الشكل من أشكال الصوم المتمثل في الامتناع عن الكلام، إلا إذا اعتبرنا انقطاعه إلى العبادة في غار حراء قبل البعثة يشتمل على هذا النوع من الصيام، ضمن ما تشتمل عليه فكرة الانقطاع عن البشر وفضيلة التأمل من صمت عن الكلام.

وليس من بين طقوس الصيام في رمضان الامتناع عن الكلام، بل هناك نهي للصائم عن الصخب، والانفلات من السقوط في وهدته عند مواجهة الكلمات أو الأفعال السيئة بقول: "إني صائم"، وقد ورد ذلك في الحديث الشريف الذي يقول: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم".

يذكر مصطفى عبد الرحمن صاحب كتاب "فنون رمضان" أن صيام الصمت من أغرب أنواع الصيام، ويتمثل في الصمت عن الكلام، وهو معروف لدى الشعوب البدائية والمتحضرة على السواء، ولا تزال الديانات البرهمية واليوجا يمارسون هذا النوع من الصيام في مناطق متعددة من الهند.

وفي استراليا يجب على المرأة التي يموت زوجها أن تظل صائمة عن الكلام لمدة طويلة قد تبلغ في بعض الأحايين عاماً كاملاً".

في أحيان يكون السكوت من ذهب ويكون الكلام من فضة.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإيمان الصامت الإيمان الصامت



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 17:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا
 العرب اليوم - عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو
 العرب اليوم - الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 20:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 02:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

النيران تلتهم خيام النازحين في المواصي بقطاع غزة

GMT 17:23 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنتر ميلان الإيطالي يناقش تمديد عقد سيموني إنزاجي

GMT 16:59 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يتوعد الحوثيين بالتحرّك ضدهم بقوة وتصميم

GMT 17:11 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة الجزائري يوقف حكمين بشكل فوري بسبب خطأ جسيم

GMT 02:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 ركاب وإصابة 12 في تحطم طائرة في البرازيل

GMT 06:45 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار قوي يضرب قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية

GMT 17:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

.. قتلى في اصطدام مروحية بمبنى مستشفى في تركيا

GMT 11:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 06:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تعليق الرحلات من وإلى مطار دمشق حتى الأول من يناير

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:53 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab