الناعم والخشن

الناعم والخشن

الناعم والخشن

 العرب اليوم -

الناعم والخشن

بقلم: د. محمود خليل

كان معاوية بن أبى سفيان ضرساً سياسياً قوياً، يتمتع بما يتمتع به السياسى من دهاء وحيلة، ويعلم جيداً أن الناس تتحرك بعاملى السياسة والمال أكثر مما يتحركون بقيم الدين، وقد علم أن على بن أبى طالب وأولاده وأنصار رسول الله والعديد من صحابته، يتحركون فى محاولة يائسة لاستعادة قيم النبوة ودولة الخلافة الراشدة فى عصر الشيخين أبى بكر وعمر، لأن ماءً كثيراً جرى فى نهر حياة المسلمين على مدار ما يقرب من عقدين من الزمان، نشأت فيهما أجيال من المسلمين بقيم جديدة تناسب التحول الذى يريد «معاوية» وطبقة الحكم من بنى أمية إحداثه فى مسار الحكم.

ولعل «معاوية» أول حاكم فى تاريخ المسلمين يوظف الدين لخدمة أهداف السياسة، بل قل إن هذا التوظيف هو اختراع أموى بحت.

فالمطالبة بدم عثمان، الذى قتل مظلوماً، والزفات التى سارت بقميص عثمان الملطخ بالدماء والمظاهرات المطالبة بالثأر له التى شهدتها شوارع الشام فى عهده هى خير دليل على توظيف الدين فى خدمة أهداف السياسة، والمطالبة بتحكيم كتاب الله فى النزاع بينه وبين على بن أبى طالب دليل آخر على التوظيف المغرض للدين، إذ لم يكن «معاوية» أكثر من والٍ تمرد على علىّ الخليفة، وبالتالى لم تكن الرؤوس متساوية.

وبعد اغتيال على بن أبى طالب وتنازل الحسن له عن الخلافة استقر «معاوية» على كرسى الحكم، وبدأ الخطوة التالية لتوطيد أركان ملكه، وأول ما سلكه فى هذا الاتجاه هو نسيان عثمان ودم عثمان الذى كان يطالب بالثأر له بالأمس.

يحكى صاحب «البداية والنهاية» واقعة لافتة للغاية فى هذا السياق يذكر فيها «أن معاوية قدم المدينة أول حجة حجها، بعد اجتماع الناس عليه، فتوجه إلى دار عثمان بن عفان، فلما دنا إلى باب الدار صاحت عائشة بنت عثمان وندبت أباها، فقال معاوية لمن معه: انصرفوا إلى منازلكم فإن لى حاجة فى هذه الدار، فانصرفوا، ودخل، فسكّن عائشة بنت عثمان وأمرها بالكف، وقال لها يا بنت أخى: إن الناس أعطونا سلطاننا، فأظهرنا لهم حلماً تحته غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد فبعناهم هذا بهذا، وباعونا هذا بهذا، فإن أعطيناهم غير ما اشتروا منا، سعوا علينا بحقنا وغمطناهم بحقهم، ومع كل إنسان منهم شيعته، فإن نكثناهم نكثوا بنا، ثم لا ندرى أتكون لنا الدائرة أم علينا؟

وأن تكونى ابنة عثمان أمير المؤمنين أحب إلى أن تكونى أمة من إماء المسلمين، ونعم الخلف أنا لك بعد أبيك».

هكذا قال «معاوية» بعد أن دان له الأمر لابنة عثمان المطالبة بثأره!.

والملك كما تعلم لا يستقيم إلا بأداتين: «السيف والذهب»، أو بالتعبير الحديث القوة الناعمة والقوة الخشنة، وقد كان «معاوية» على وعى كامل بهذه الحقيقة، وكفاءة لافتة فى توظيف الأداتين فى تحقيق أهدافه، فتمكن من توطيد دعائم ملكه عبر دفع المال لمن يسكته المال، وإعمال السيف فيمن لا تردعه إلا القوة.

لجأ «معاوية» أيضاً إلى الحرب كوسيلة لصرف المجموع عن الانشغال بأدائه السياسى، فركب البر والبحر فى حروب وسع بها ملكه، ووظفها فى تحقيق شعبية كبيرة له بين معاصريه، وكانت هذه الحروب أيضاً حجة اعتمد عليها من خلفوه فى الدفاع عن شخصه والتجاوز عن التحول الخطير الذى أحدثه فى تاريخ الأمة، حين جعل حكم المسلمين ملكاً عضوضاً يتوارثه الأبناء عن الآباء، وضرب مبدأ الشورى فى مقتل، واتخذ من العائلة أساساً لتشكيل طبقة الحكم، وترخص فى دماء أشرف الناس من أجل تحقيق ما يريد.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الناعم والخشن الناعم والخشن



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab