«الرقص» على «الزلازل»

«الرقص» على «الزلازل»

«الرقص» على «الزلازل»

 العرب اليوم -

«الرقص» على «الزلازل»

بقلم: د. محمود خليل

المتأمل لرحلة تفاعل العقل النخبوى -المصرى أو العربى- مع موضوع الزلازل يجد أنه مال إلى توظيفه كأداة من أدوات النفاق السياسى. وكان هذا النفاق يتوجّه فى القدم إلى الحكام، ومع تطور الزمان وجريان الأيام بات النفاق يتوجه إلى الشعوب.

تتعجّب وأنت تتابع شاعراً مثل «أبى العتاهية» الرجل الذى اشتُهر بشعر الزهد، المستغرق فى تحذير الناس من الولع بالدنيا، ونصحهم بالإعداد للآخرة ولقاء الله، يستخدم موضوع «الزلزال» كأداة للنفاق السياسى، وذلك فى سياق عجيب ارتبط بتجربة حب وغرام عاشها.

القصة بتفاصيلها تجدها عند «ابن كثير» فى كتابه «البداية والنهاية»، ويحكى فيها أن أبا العتاهية عشق جارية فاتنة من جوارى الخليفة «المهدى» اسمها عتبة، وقد طلبها منه غير مرة، لكن الجارية أبت ورفضت، لأنها لم تجد فيه رجلها، وأمام هذا الصد تفنّن «أبو العتاهية» فى التغزل فى «عتبة»، وكتب شعراً كثيراً يشكو فيه صدها عنه وزهدها فيه، ولم يُجدِ هذا نفعاً معها، فالتمس حيلة أخرى، اتجه فيها إلى نفاق الخليفة «المهدى» بشعر يصعد به إلى السماء، حتى يمنحه حبيبته.

ومن ضمن ما كتبه نفاقاً للمهدى الأبيات التى تقول: «أتته الخلافة منقادة * إليه تجرر أذيالها.. فلم تك تصلح إلا له * ولم يك يصلح إلا لها.. ولو رامها أحد غيره * لزلزلت الأرض زلزالها».. ها نحن أولاء بصدد مستوى من النفاق السياسى وظف فيه الشاعر موضوع «الزلازل» من أجل إرضاء الحاكم، واستدعى فيه آية الزلزال، وقد ظل «بشار بن برد» الشاعر الكبير وأحد معاصرى أبى العتاهية يعيّره بها زمناً طويلاً.

ولو أنك نقلت المشهد التاريخى من قصر الخليفة ببغداد إلى قصر الحكم الإخشيدى بمصر، وتحديداً فى عصر كافور الإخشيدى، فسوف تلاحظ اتصال خط «التوظيف السياسى للزلازل» فى نفاق الحكام. وقد كان «كافور» من الحكام الطيبين الأسخياء مع الشعب، كما تحكى كتب التاريخ، وقد حدث أن ضرب مصر فى عهده زلزال كبير، فمادت الأرض تحت أقدام الطيبين من أهل البلاد، وانهارت البيوت فوق رؤوسهم. فما كان من أحد الشعراء إلا أن استغل الموقف فى نفاق «كافور» ببيت الشعر الذى نعرفه جميعاً: «ما زلزلت مصر من كيد ألم بها.. لكنها رقصت من عدلكم طرباً».

العجيب أن خط التوظيف السياسى للزلازل ما زال متواصلاً حتى اليوم. ولو أنك تابعت زلزال القرن الذى ضرب تركيا وسوريا مؤخراً، فسوف تجد أن المنحازين للقيادة التركية أخذوا يتحدّثون عن نجاح معالجة الحكومة لآثار الزلزال، وعدد من انتشلتهم من تحت الأنقاض، فى حين تحدث المنحازون ضدها عن عدد الضحايا والمصابين، وأهمل الطرفان جانباً فى منتهى الخطورة يتعلق بانهيار الكثير من المنازل حديثة البناء فى المدن التركية، بسبب فساد ذمة المهندسين والمقاولين وعدم مراعاة أكواد البناء فى منطقة من المعلوم أنها عُرضة للزلازل. أما عن المعالجة السياسية لآثار الزلزال فى الشمال السورى فحدّث ولا حرج.

النفاق السياسى ملمح مهم من ملامح تعاطى العقل العربى «النخبوى» مع الكوارث والأزمات التى تضرب الشعوب، وعلى رأسها الزلازل، وقليلاً ما يلتفت هذا العقل إلى التعاطى العلمى أو حتى الإنسانى معها.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الرقص» على «الزلازل» «الرقص» على «الزلازل»



GMT 17:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا
 العرب اليوم - عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا

GMT 21:53 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025
 العرب اليوم - زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025

GMT 20:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 02:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

النيران تلتهم خيام النازحين في المواصي بقطاع غزة

GMT 17:23 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنتر ميلان الإيطالي يناقش تمديد عقد سيموني إنزاجي

GMT 16:59 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يتوعد الحوثيين بالتحرّك ضدهم بقوة وتصميم

GMT 17:11 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة الجزائري يوقف حكمين بشكل فوري بسبب خطأ جسيم

GMT 02:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 ركاب وإصابة 12 في تحطم طائرة في البرازيل

GMT 06:45 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار قوي يضرب قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية

GMT 17:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

.. قتلى في اصطدام مروحية بمبنى مستشفى في تركيا

GMT 11:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 06:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تعليق الرحلات من وإلى مطار دمشق حتى الأول من يناير

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:53 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab