بقلم - محمود خليل
معادلة الخبث المؤدى إلى حالة «النكد العام» ترتبط بثنائية أخرى غير «المال الطيب والمال الخبيث» هى ثنائية «الكلام الطيب والكلام الخبيث».
لا أجدنى بحاجة إلى تذكيرك بالتصنيفة الخاصة التى وضعها القرآن الكريم للكلمات، حين قسمها إلى كلمة طيبة وأخرى خبيثة، فالكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة تورق وتثمر وتظلل الحياة بالسكن والرحمة والطمأنينة، وهى أيضاً تصعد بقدرة قادر إلى الخالق العظيم فيجزى صاحبها عليها خير جزاء: «إليه يصعد الكلم الطيب». أما الكلمة الخبيثة فشجرة خبيثة لو وجدت أرضاً خصبة نمت وترعرعت وأحالت حياة الأفراد والمجتمعات إلى جحيم مقيم.
الكلمات هى الريشة التى يرسم بها البشر خرائط الحياة. هل تذكر ما كتبه الراحل عبدالرحمن الشرقاوى عن الكلمة: «مفتاح الجنة فى كلمة.. مفتاح النار على كلمة.. الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور.. الكلمة فرقان بين نبى وبغى».
الكلمة هى السر الأقدس بين أسرار الحياة البشرية، الإنسان يحيا آمناً مطمئناً بكلمة، وتتحول حياته إلى جحيم بكلمة أيضاً. ليس الأنبياء والمصلحون أكثر من حمَلة كلمات اجتهدوا فى نشرها من أجل إشاعة روح العدل والأمن والسكينة داخل المجتمعات.
عندما تلف الكلمات الرديئة الحياة الإنسانية تخيم فى سماواتها سحابات الكآبة والنكد. تعالوا نستعرض تأثير نوعين من الكلمات الرديئة على واقع الحياة، النوع الأول هو الكلمات الكاذبة، والثانى الكلمات المغرضة.
الكلمات الكاذبة هى ببساطة تلك الكلمات التى لا تنقل الحقيقة. تذكر أننا عشنا مع هذا النوع من الكلمات أيام حرب يونيو 1967، حتى خرج الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يوم 9 يونيو ليفاجئ الجميع بالحقيقة المرة التى تقول إن الأمور سارت على غير ما كانت تقول أجهزة الكذب الرسمى، وكانت النتيجة حالة من «النكد العام» عاشها المصريون قلبت عليهم معيشتهم، والعجيب أننا عانينا من آثارها حتى بعد نصر أكتوبر المجيد 1973، وربما لم نزل نعانى من أوجاعها حتى اللحظة.
أما الكلمات المغرضة فهى تلك الكلمات التى يلقى بها الفرد ليس لوجه الحقيقة بل بهدف تحقيق مصالح معينة فى الواقع أو خدمة أصحاب مصالح معينين، وتستطيع أن تجد نماذج عديدة عليها فى الخطاب المتاجر بالدين، فما أكثر ما تسمع من أصحابه زفات خطابية وشعارات دينية طنانة رنانة، ليس من هدف وراءها سوى تحقيق أهداف دنيوية سياسية واقتصادية وخلافه. الكلمات المغرضة تُمرض المجتمع وتُضلل أفراده، وسرعان ما تشيع فيه حالة من الكآبة. فالغرض -كما تعلم- مرض، ورسالة الأديان تتمثل فى الارتقاء بأخلاقيات وسلوك الأفراد، وكل فرد محاسب على أعماله، ولو أن كل مؤمن اتبع قيم وتعاليم دينه لتراجع منسوب النكد كثيراً فى حياة الناس، بدلاً من أن يتحولوا إلى آلات للتنكيد على بعضهم البعض، فالدين نزل من أجل سعادة الإنسان وليس لشقائه: «طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى».
الغرض كما يظهر فى خطاب المتاجرة بالدين يظهر أيضاً فى كل أشكال المتاجرة، بما فى ذلك المتاجرة بأوجاع الناس، أو المتاجرة بجانٍ، أو المتاجرة بضحية، أو المتاجرة بقضية، فيكفى جداً فى مثل هذه الأحوال أن تشد خيط المتاجرة ليمتد حبل النكد على الجرار.