«فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ»

«فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ»

«فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ»

 العرب اليوم -

«فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ»

بقلم: د. محمود خليل

فى قصة قارون (رجل المال الشهير فى عصر موسى) تجد موضوع الفساد حاضراً فى أولها، وحاضراً أيضاً فى آخرها.

فى بداية القصة يظهر «قارون» فرحاً مختالاً بما تمتع به من ثروة ونفوذ دفعاه إلى البغى على مساكين بنى إسرائيل.

توجه إليه قومه بنصيحة سجلها القرآن الكريم، دعوه فيها إلى التوازن بين الاستمتاع بالدنيا والعمل للآخرة، ثم نبهوه إلى الكارثة التى يمكن أن تحيق به وبهم إذا واصل سعيه فى إفساد الحياة من حوله: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».

تخيل أن مثل هذه النصائح توجّه إلى «قارون» الذى لم يسجل لنا القرآن الكريم أنه جمع ماله بطرق ملتوية أو فاسدة، بل رزقه الله بها: «وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِى الْقُوَّةِ»، لكنّه وظفها كأداة للاستعلاء على قومه وإفساد حالة الحياة التى يعيشونها، فما بالك بحالة الفساد التى يمكن أن يخلقها رجال مال جمعوا ثرواتهم بالفساد؟!

تعلم النهاية المرعبة التى آل إليها «قارون» حين خسف الله به وبماله وبداره الأرض: «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ»، ومع هذه النهاية وضع الخالق العظيم واحدة من القواعد التى تحكم الحياة، وذلك فى الآية الكريمة التى تقول: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ».

الفساد يؤدى إلى سوء المآل فى الدنيا والآخرة.. وهذا الدرس أكد عليه القرآن الكريم كثيراً وقص القصص حوله، وضرب عليه الكثير من الأمثلة حتى ينبّه المؤمن إلى مخاطر الفساد إذا استشرى فى المجتمعات، وسكت عنه الناس، ورضى بعضهم عنه واندمجوا فيه.

تلك هى حال البشر ومآلاتهم، حين يتصالحون مع الفساد المستشرى فى أوساطهم، وهى حال لها مقدمة تعيدنا من جديد إلى دور العقل كآلة وأداة لإصلاح الحياة.. فالمجتمع الفاسد هو مجتمع فاقد لعقله.يقول الله تعالى: «فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِى الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ».

فالأجيال والأقوام التى شهدها تاريخ البشر منذ عصر آدم وما بعده شهدت مجتمعات لم يكن لدى أفرادها بقية من عقل أو فكر أو منطق يتفهمون من خلاله المخاطر التى يمكن أن تؤدى إليها عملية فساد الحياة وإفسادها، ومآلات ذلك فى الدنيا والآخرة.. مجتمعات قليلة فقط هى التى امتلكت العقل والاستنارة التى مكنتها من إدراك مخاطر الفساد على الحياة والأحياء، فأمسك أفرادها عن الفساد، وأخذوا على الأيدى المفسدة التى حاولت العمل بداخلهم.. فكتبت لهم النجاة.

تشير الآية الكريمة أيضاً إلى أحد مؤشرات الفساد داخل بعض المجتمعات والمتمثلة فى حالة الترف التى تنعم بها أقلية على حساب الأغلبية.

الأقلية (أو الأوليجاركية) المترفة داخل أى من المجتمعات تميل بطبيعتها إلى البحث عن الملذات، وهى فى سبيل ذلك تحاول أن تجمع المال بكل الطرق الملتوية وغير المتلوية، المشروعة وغير المشروعة، كل هذا بهدف الغرق فى الحياة المخملية بكل عناصرها ومفرداتها.

وسبحان من جعل «الخسف» عقوبة عادلة لـ«العلو».

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ» «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ»



GMT 17:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا
 العرب اليوم - عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا

GMT 21:53 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025
 العرب اليوم - زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025

GMT 20:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 02:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

النيران تلتهم خيام النازحين في المواصي بقطاع غزة

GMT 17:23 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنتر ميلان الإيطالي يناقش تمديد عقد سيموني إنزاجي

GMT 16:59 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يتوعد الحوثيين بالتحرّك ضدهم بقوة وتصميم

GMT 17:11 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة الجزائري يوقف حكمين بشكل فوري بسبب خطأ جسيم

GMT 02:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 ركاب وإصابة 12 في تحطم طائرة في البرازيل

GMT 06:45 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار قوي يضرب قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية

GMT 17:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

.. قتلى في اصطدام مروحية بمبنى مستشفى في تركيا

GMT 11:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 06:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تعليق الرحلات من وإلى مطار دمشق حتى الأول من يناير

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:53 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab