بقلم: د. محمود خليل
«أنا فين وانتى فين» عنوان واحدة من روائع المسرحيات التى جمعت بين فؤاد المهندس وشويكار، شارك فى تأليفها كل من سمير خفاجى وبهجت قمر، وأُنتجت عام 1965.
وتحكى المسرحية حدوتة موظف بسيط يوجد بينه وبين زوج متوفى لإحدى الثريات -دولت هانم البيرقدار كاف- شبه كبير. اسم الزوج فى ذلك الوقت مثّل «إيفيه» فى حد ذاته كان يثير ضحك المشاهدين، وهو «طبوزاده».
لو تتبعت اسم طبوزاده فى كتب التاريخ فستجده مرتبطاً باسم حسين باشا رشدى، وقد ترأس مجلس نظار أو مجلس وزراء مصر فى واحد من آخر القرارات التى اتخذها الخديو عباس حلمى الثانى عام 1914، وعندما تم نفى عباس حلمى ورفض الإنجليز عودته إلى مصر شغل الباشا «رشدى» منصب نائب الخديو حتى آلت السلطة إلى السلطان حسين كامل، وواصل العمل كرئيس للوزراء حتى عام 1919، ونسّق مع الزعيم سعد زغلول لتكوين وفد مصرى رسمى وآخر شعبى للتفاوض مع الإنجليز على استقلال مصر بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
حسين رشدى نجل طبوزاده محمود حمدى باشا، وجده لوالده هو حسين بك طبوزاده، وكان حاكماً على إقليم البرلس، وكان جد أبيه محمد طبوزاده قائداً عاماً فى عهد محمد على.
ويشير صاحب كتاب «صفوة العصر فى تاريخ ورسوم مشاهير أهل مصر» إلى أن محمد طبوزاده تمكّن من قهر الجنرال فريزر القائد العام الإنجليزى فى معركة «السنانية»، تلك المعركة التى ترتب عليها خروج الإنجليز من مصر.
ومما يستحق الذكر أن محمد على استعرض الجيش فى ميدان القتال ثم ترجّل عن جواده وقبّل قائده المنتصر وأنعم عليه بالتزام البرلس. وقد تزوج مصطفى رياض باشا، أحد رؤساء الوزراء فى مصر ما قبل ثورة 1952، من ابنة حسين بك طبوزاده.
الكاتب هنا يتحدث عن الحملة التى سيّرها الإنجليز بقيادة «فريزر» على مصر عام 1807، ولا يكاد يوجد فى كتب التاريخ ذكر عن القائد «طبوزاده» أو معركة السنانية -إحدى قرى دمياط حالياً- وكل ما قرأناه وتعلمناه هو أن أهل رشيد هم من قاوموا «فريزر» وأجبروه على الانسحاب، وليس أحد قادة الوالى محمد على. مؤكد أننا لا نقلل من مقاومة الأهالى، فتلك حقيقة تاريخية ثابتة، وقد قاوم المصريون الفرنسيين أيام نابليون، ثم الإنجليز أيام فريزر، لكن اكتمال الحقائق التاريخية كان يقتضى جعل «طبوزاده» مادة من مواد الحديث عند التعرض لحملة فريزر 1807، لكن الذى حدث هو العكس، إذ تم استغلاله كمادة مسرحية.
التوجهات العامة داخل المجتمعات أحياناً ما تتدخل عند استرجاع بعض الأسماء أو الشخصيات التى كان لها أدوار فى أحداث مهمة، ربما فسر لك ذلك الاستدعاء الكوميدى لاسم «طبوزاده» فى مسرحية «أنا فين وانتى فين» التى ظهرت منتصف الستينات، وضحك المصريون كثيراً على ذلك المشهد الذى تفاخرت فيه «دولت هانم البيرقدار» بأبيها قائد الطابية، وأجدادها الذين كانوا هم الآخرون قواد طابية أمام الموظف المسكين «أيوب أفندى» الذى انتشلته الثورة -طبعاً- من غطرسة أصحاب العرق التركى والجركسى.