«كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»

«كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»

«كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»

 العرب اليوم -

«كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»

بقلم: د. محمود خليل

أكبر «غلطة» يقع فيها أى مجتمع أن يرى أفراده الفساد مستشرياً فيما يحيط بهم دون أن يبالوا.

منهجية «لا تبالى» التى تشكل أساس رد الفعل الفردى أو الجماعى داخل بعض المجتمعات أمام وقائع الفساد هى التى توردها بعد ذلك موارد الهلاك، وتزلزل الأرض من تحتها.

يقول الله تعالى: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ».

ثمة إشارتان فى الآية الكريمة إلى مظهرين من مظاهر فساد الواقع الذى عاشه الجيل الذى يصفه القرآن الكريم من بنى إسرائيل.. الإشارة الأولى تتعلق بمعصية الله.

وجوهر العصيان فى هذه الحالة هو التخلى عن القيم الرفيعة والأخلاقيات السامية التى أمر الله تعالى عباده بأن يتعاملوا بها مع بعضهم البعض، من صدق وتسامح ورحمة وعدل وإحسان.. أما الإشارة الثانية فتلخص جوهر الأزمة داخل هذا المجتمع وتتمثل فى «الاعتداء»، بمعنى الجور وأكل الحقوق وضياعها فيما بينهم، وفيما بينهم وبين غيرهم.

الاعتداء على الحقوق يشكل قمة الفساد داخل أى مجتمع.وضعت الآية بعد ذلك مفتاحاً يمكن أن تستكشف من خلاله مدى سلامة أو مرض أى مجتمع بالفساد، ويتحدد فى قوله تعالى: «كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ».. يعنى كان أفراد هذا الجيل يرون الخطأ أمامهم (ما تصالحوا على أنه منكر) ويمرون عليه دون أن يبالوا.

ها نحن أولاء أمام المنهجية التى تؤدى إلى استشراء الفساد فى الواقع: «منهجية لا تبالى»، أو «دعه يفسد.. دعه يمر».. ومع التراكم الكمى للفساد لا بد أن يحدث تحول نوعى فى كنهه وطبيعته، فيتطور خطوات إلى الأمام ويتحول إلى «خراب» أو «تخريب».فتمدد الفساد يؤذن بالخراب، ويصل بالمجتمع إلى حالة «بؤس مستطير».. والعلاقة بين مفردتى «بئس» و«بؤس» ليست بعيدة وذلك فى قوله تعالى «لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ».

إذاً الحالة الختامية التى يصل إليها أى مجتمع يرى أفراده الأخطاء منتشرة من حولهم ويعبرون عليها بلا مبالاة هى «حالة البؤس» التى تجد تعابيرها على وجوه يعلوها الاكتئاب والضجر، وعروق تنبض بالأحزان، وقلوب تعتصرها الآلام، ونفوس ينسجها اليأس.

كأن مفردة «ضنك» التى ورد ذكرها فى الآية الكريمة التى تقول «فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً» هى الأكثر قدرة على وصف حال المجتمعات البائسة اليائسة، بما تعنيه كلمة ضنك من سيطرة الفقر على الواقع: فقر الجيوب، وفقر النفوس، وفقر الفكر، وفقر الأمل، وفقر العمل.

لعلك تذكر الحديث الشريف الذى يدور حول مجموعة من البشر كانوا كانت على متن سفينة من دورين، توزعوا عليهما، فكان من هم فى أسفلها يصعدون إلى الدور الأعلى ليحصلوا على الماء، وفجأة خرج واحد من سكان الدور الأرضى واقترح خرق قاع السفينة والحصول على الماء مباشرة من أسفل، حتى لا يزعج سكان الدور العلوى.. وهو حديث يدعو قارئه إلى تأمل النتائج التى يمكن أن تترتب على طاعة مثل هذا الأحمق وعدم الأخذ على يديه.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» «كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 08:52 2025 السبت ,26 إبريل / نيسان

قادة العالم يشاركون في جنازة البابا فرنسيس
 العرب اليوم - قادة العالم يشاركون في جنازة البابا فرنسيس

GMT 17:37 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

GMT 04:47 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 25 إبريل / نيسان 2025

GMT 17:02 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

صعود طفيف لأسعار النفط بعد انخفاض 2%

GMT 10:33 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

GMT 17:34 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي

GMT 08:58 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

هزتان ارضيتان تضربان تركيا بقوة 4.5 و4.6 درجات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab