بقلم: د. محمود خليل
الشيخ «عبدالمجيد اللبان» واحد من علماء الأزهر المبرزين خلال القرن العشرين. عاصر الشيخ محمد عبده، وخاض معه العديد من المناظرات، وقدّر الإمام مواهبه. ويرتبط باسم «عبدالمجيد اللبان» واحد من أهم الشوارع التى تربط ميدان السيدة زينب بشارع الخضيرى ثم شارع الصليبة، وهو شارع «مراسينا».
يافطة زرقاء شهيرة يراها السائر فى الشارع الشهير مكتوب عليها «شارع عبدالمجيد اللبان.. مراسينا سابقاً». ورغم ذلك فكل أهل الحى لا يعرفون اسماً للشارع سوى «مراسينا»، وكأنهم لا يريدون الاعتراف بالاسم البديل الذى يبدو أن الحى أطلقه على الشارع أواخر الأربعينات بعد وفاة الشيخ «اللبان» عام 1942.
لو استمعت على سبيل المثال إلى الذكريات المسجلة إذاعياً والتى حكى الفنان الراحل إسماعيل يس فيها عن بداياته الأولى فستجده يذكر أنه اضطر للمبيت بأحد المساجد بشارع «مراسينا»، وهو مسجد «سنجر الجاولى»، حين لم يجد مكاناً يؤويه فى رحلته الأولى من السويس إلى القاهرة بحثاً عن المال والشهرة.
ما زال أهالى حى السيدة زينب يطلقون على الشارع حتى الآن اسمه القديم «مراسينا»، ويحمل الاسم دلالة على فكرة المحور أو عمود الخيمة، والشارع بالفعل يشكل ممراً يربط ما بين ميدان السيدة والصليبة ثم القلعة، وينتهى عند النقطة التى يلتقى فيها شارع قدرى مع شارع الخضيرى.
عاش الشيخ عبدالمجيد اللبان حياته مغبوناً وتواصلت رحلة غبنه بعد وفاته، فرغم ما امتاز به من وعى واجتهاد لم ينل فى حياته حظه من الشهرة، وكذلك الحال بالنسبة للشارع المسمى باسمه. هذا الرجل كان عظيم الاهتمام بالأخلاق، والتفت منذ فترة مبكرة إلى أهمية الإصلاح الخلقى، فأنشأ الجمعيات والمدارس التى تعمل من أجل تحقيق هذا الهدف، وكانت وجهة نظره فى ذلك أن إصلاح العلاقات ما بين المصريين عن طريق إصلاح أخلاقياتهم يمثل مقدمة مهمة من مقدمات النهضة.
ترجم الشيخ عبدالمجيد اللبان أفكاره إلى أفعال خلال أحداث ثورة 1919، وقد اعتُقل خلال الأيام الأولى لاندلاعها ثم أُفرج عنه. وأرجح الظن أن هذا الرجل هو صاحب هتاف «يحيا الهلال مع الصليب»، ويذكر «زكى فهمى» فى كتابه «صفوة العصر فى تاريخ ورسوم مشاهير أهل مصر» أن الشيخ أول من حمل «علم الاتحاد الأخضر» الذى يحتضن الهلال فيه الصليب، ويُعد هذا العلم من أبرز أيقونات ثورة 1919، وكذلك الصور التى جمعت الشيخ عبدالمجيد اللبان مع كبار رجال الدين الأقباط بالإسكندرية.
وقد أطلقت مصر الملكية اسم الشيخ عبدالمجيد اللبان على شارع «مراسينا» الشهير تكريماً له على دوره الوطنى والإصلاحى المهم، لكن يبدو أن أصله غير القاهرى حال بينه وبين انتشار اسمه خلال حياته، وانتشار اسم الشارع المسمى باسمه بعد وفاته، فالرجل من مواليد «سنديون» بمحافظة الغربية، وعمل عدة سنوات بالإسكندرية وطنطا.
للبشر أحكام فيما يتعلق بعلاقتهم بالمكان، فالشارع الزاخر بالعديد من الآثار التى تركها المماليك الجراكسة هو فى نظر من يعيشون فيه أولى باسمه القديم المرتبط بحكاوى الآباء والأجداد من الاسم الجديد على الرغم من عظمة صاحبه.