شارع «الخضيرى»

شارع «الخضيرى»

شارع «الخضيرى»

 العرب اليوم -

شارع «الخضيرى»

بقلم: د. محمود خليل

حالة الذوبان بين الإنسان والمكان أجدنا كمصريين غائصين فيها حتى النخاع. يستطيع أن يشعر بهذه الحالة من نشأوا فى أىٍّ من أحياء ومناطق مصر القديمة، سواء فى عاصمتها أو قبليها أو بحريها.

علاقة المصرى بالمكان هى فى جوهرها علاقة بالتاريخ، فالمكان يكتسب شخصيته من تاريخه، والإنسان يكتسب علاقته الحميمة به من طول بقائه فيه، والتصاقه بمعالمه، وما تنطق به من حكايات، وتظل الأسطورة هى الحاضنة الموضوعية لتلك العلاقة العلوية التى تنشأ ما بين الإنسان والمكان، أما التاريخ فيُمثل البوابة الموضوعية التى يصح أن يدخل الإنسان منها إلى الأمكنة، أما سحر الأماكن فهو نتاج لما تقوله الأسطورة مجموعاً عليه ما سطّره التاريخ.

دعنى أحكى لك عن هذه الحالة عبر واحد من شوارع القاهرة يجرى نهر أسفلته ما بين مسجد الخضيرى من ناحية ومسجد صرغتمش، ومن ورائه مسجد أحمد بن طولون من الناحية الأخرى، البعض يطلق عليه شارع «الخضيرى»، ويضعون نهايته طبقاً لذلك عند مطلع شارع الصليبة، الذى يبدأ بسبيل أم عباس، ويرى آخرون أنه مبدأ شارع «الصليبة»، الذى يمتد من نقطة التقاء آخر شارع محمد باشا قدرى وآخر شارع عبدالمجيد اللبان (مارسينا سابقاً). ليس الزائر كالمقيم فى مثل هذه الأماكن الساحرة، الزائر يستمتع بجلال الماضى ورائحته التى تفوح فى كل اتجاه. المقيم فى هذه الأماكن يعيش فى قلب قطعة من لحم ودم من تاريخ مصر، جوهرها ما يسمعه من حكايات عن كل معلم من معالم المكان، تختلط فيها الحقيقة التاريخية بالأسطورة بالوجع الإنسانى المعاش.

نبدأ بمسجد الخضيرى الذى سُمى الشارع باسمه. وهو المسجد الذى دُفن فيه الشيخ سليمان على الدين الخضيرى، أحد أولياء الله الصالحين، الذين تتزاحم بهم مدينة القاهرة ومحافظات مصر. ويقال إنه كان من المصاحبين للشيخ أبوالسعود الجارحى، مما يؤشر إلى أنه عاش أواخر عصر الدولة الجركسية أيام السلطان «طومان باى»، وشهد دخول العثمانيين إلى مصر عام 1517. و«الجارحى» أحد كبار المتصوفة فى ذلك العصر، وإليه يعود الفضل فى تولية «طومان باى»، وأخذ عهد طاعته من كل أمراء المماليك. المعلومات المتوافرة حول الشيخ سليمان الخضيرى قليلة، وهى تُجمع على أنه كان صوفياً زاهداً، وكان مسموع الكلمة -مثل صديقه «الجارحى»- عند الأمراء، لكن الحكايات المرتبطة به كثيرة.

من عاش فى حى الخضيرى لاحظ خروج مسجد الشيخ إلى منتصف الشارع، حيث تضيق مساحته، خلافاً لباقى أمتاره، وربما يكون قد سمع من آبائه أو أجداده عن قرار اتخذته الدولة الملكية أيام فاروق الأول بهدم الجزء البارز من المسجد لتوسعة الشارع، وبدأ أحد المهندسين التخطيط لذلك حتى جاءه الشيخ الخضيرى فى المنام وحذّره من الإقدام على الخطوة، لم يأبه المهندس للحلم، وسار نحو المسجد يريد أن يزيل الجزء البارز منه، فشعر بأن يده قد شُلت، ولم يبرأ حتى تراجع عن القيام بالمهمة. جانب الأسطورة واضح فى الحكاية. وما أكثر ما سمعناه عن أحداث شبيهة متعلقة بأولياء آخرين، لكنها تعكس كم الاعتبار الذى يوليه بسطاء المصريين لأولياء الله وقدرة «الولى» على تحدى سلطة «الوالى».

ثمة حكاية أشهر من ذلك ترتبط بالبئر الموجودة داخل الجامع، والتى اعتقد أهالى الحى وغيرهم لقرون كثيرة أن من يمسح جسده بمائها ويشرب منها يُشفى من جميع الأمراض ويبرأ من مس الجن. وقد ظل طقس التطهر بماء البئر قائماً حتى سنوات قليلة مضت، حين قرّرت وزارة الأوقاف منع الناس من ذلك كما جاء فى تقرير للأستاذة «نهلة الشربينى» بموقع «صدى البلد»، بعد أن اختلطت مياه البئر بماء الصرف الصحى (سنة 2017).

قد تعجب من تفكير أناس ما زالوا يتعلقون بمكان يرونه فوق الهدم أو بماء يرونه مباركاً، لكنها الطبيعة الإنسانية التى تلتصق بالمكان، ليصبح الحجر جزءاً منهم، ويصير معجون ترابهم جزءاً منه، ويتحول المكان إلى ساحة يعبر فيها البسطاء المتعبون عن إحساسهم بالوجع الإنسانى.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شارع «الخضيرى» شارع «الخضيرى»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام
 العرب اليوم - تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab