«وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ»

«وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ»

«وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ»

 العرب اليوم -

«وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ»

بقلم: د. محمود خليل

نبى الله يعقوب حالة فريدة من نوعها فى القدرة على استشراف الآتى وتوقع المستقبل.. شخصيته، كما تتجلى فى سورة يوسف، خبيرة بالنفوس البشرية، بصورة تساعدها على توقع سلوكها.

وإذا كان الإنسان المتمرس بالحياة والخبير بأحوالها وأحوال البشر فيها قادراً على قراءة شخصيات المحيطين به، فإنه على قراءة وفهم أحوال وتوقع سلوكيات أولاده أقدر.

تتعجب وأنت تتابع «يعقوب» وهو يقول لأولاده الذين طلبوا منه اصطحاب شقيقهم الصغير يوسف فى نزهة يرتع فيها ويلعب: «قَالَ إِنِّى لَيَحْزُنُنِى أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ».

لقد قرأ ببساطة ما يخطط له أولاده، تمكن من توقع ما خطوه على صفحة عقلهم من كيد ليوسف، وقد التزم أبناؤه بالسيناريو بحذافيره، فعادوا إليه آخر النهار ليقولوا له إن ما توقعه حدث بالضبط: «قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ».

لم يجتهد أبناء يوسف فى تطوير كذبة أخرى لإخراج المشهد بعيداً عما رسمه «يعقوب»، ويبدو أن دافعهم فى ذلك ارتبط بقناعتهم بأن «يعقوب» لن يصدقهم على أية حال حتى ولو كانوا يصدقونه القول، وبالتالى لم يجدوا ضرورة فى إرهاق أنفسهم باختراع سيناريو جديد لاختفاء يوسف بعيداً عن السيناريو الذى توقعه منهم «يعقوب».

تتعجب كذلك وأنت تقرأ عن موقف «يعقوب» حين طلب منه أبناؤه -بعد ضياع يوسف- بأن يرسل معهم شقيقه الأصغر بنيامين: «فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ، قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».

كان «يعقوب» يعلم أن أبناءه يريدون التخلُّص من شقيقيهم من زوجة أبيهم «راحيل» بأى طريقة، فعبر لهم عن قلقه على «بنيامين» بسؤال يستنكر فيه أن يقع لبنيامين مثلما وقع ليوسف فيضيع هو الآخر منه، وتحقق توقع النبى يعقوب هذه المرة أيضاً.

أما نصيحته لأبنائه بدخول مصر من أبواب متفرقة فهى تعكس مفارقة إنسانية عميقة، ما بين خوف الأب على أبنائه، ويقينه بأن كل شىء فى هذه الحياة يقع بإذن الله وأمره: «وَقَالَ يَا بَنِىَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِى عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَىْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ».

المسألة لم تكن اهتزازاً أصاب يقين النبى فى أن كل شىء يحدث بأمر الله، لكنه أب يخاف على أبنائه ونفسه موجوعة عليهم، وذلك مصداق قوله تعالى: «وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِى عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَىْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِى نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ».

المسألة فى الأول والآخر مسألة علم رزقه الله نبيه يعقوب، مكنه من فهم البشر من حوله، ومنحه القدرة على توقع أفعالهم بطريقة رياضية منطقية كانت تصيب فى أغلب الأحوال، قدرة وقودها الإيمان بالله واليقين بكون أمر الله قدراً مقدوراً.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ» «وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab