بقلم - محمود خليل
مرحلة الطفولة من أخطر مراحل الحياة الإنسانية، فخرائط النفس والعقل يتم نحتها وتشكيلها خلال السنوات الأولى التى يطرق فيها الإنسان أبواب الحياة، وتبدو حاجة الصغير خلالها ملحة إلى الرعاية والاحتواء وشرح وتوضيح الأحداث التى تقع من حوله حتى يستوعبها عقله محدود المعرفة وقلبه عظيم الحساسية والتأثر.
لا نستطيع الزعم بأن «محفوظ عزام» كان يقصد التأثير فى «أيمن الظواهرى»، ابن شقيقته، بصورة معينة، حين كان يحكى عن جانب المأساة فى حياة سيد قطب، دون أن يلتفت إلى دوره فى خلق مأساة أكبر توارثتها أجيال. الطفل «أيمن» كان يستمع ويستقبل ما يسمع بمعرفة طفولية محدودة وعقل غير مدرك لأبعاد الحدث، وقلب بدأ أول معالمه فى التشكل داخل بيت متدين، فكان من الطبيعى أن يرقَّ لشخص يقدمه الخال على أنه رمز للصمود الدينى، وربما يكون قد بات باكياً على حائط المظلومية الذى بدأ يعلو بناؤه بعد إعدام سيد قطب عام 1966، ولو أن الأحداث سارت فى اتجاه غير الإعدام لما كان لأفكاره الأثر الذى تركته على أجيال متعاقبة من جماعات العنف الدينى، لكن أمر الله نفذ.
طفولة أيمن الظواهرى تعلّم الآباء والأمهات والمحيطين بالأطفال درساً يتوجب الانتباه إليه، يتمثل فى عدم ترك الطفل لتفاعلاته النفسية الداخلية وهو يتعرض أو يستمع لأحداث خطيرة تقع من حوله. دور الوالدين والأقارب لا بد أن يظهر فى مثل هذه الأحوال فى شرح الأبعاد الحقيقية للأحداث ووضع الأمور فى نصابها، وإفهامهم أن مسألة الصراع على السلطة لها قواعدها وقوانينها الخاصة التى تحكمها، وقد لقى من هو أجلُّ وأعظم من سيد قطب حتفه فى صراعات سياسية.
أمر آخر لا بد أن يتفهمه المجتمع ككل وهو يتابع سيرة شخص مثل أيمن الظواهرى، يتمثل فى الوعى بحقيقة أن «العنف يولد عنفاً» وأن الحياة السياسية الصحية تقتضى أمرين: أولهما عدم التدثر بالدين فى دنيا السياسة، فالله تعالى يقول: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما»، ما يعنى أنه لا محل للغمز أو اللمز فى دين الآخرين وإشهار سلاح التكفير فى وجوههم عند وقوع صراعات ذات طابع سياسى، وثانيهما أن الحصافة السياسية تقتضى جعل العنف آخر أداة يمكن اللجوء إليها عند حسم الصراعات. فإعدام سيد قطب كان السبب المباشر فى منح أفكاره -المردود عليها بالمناسبة- هذه الهالة الكبرى من القداسة غير المبررة موضوعياً، وقد كان «قطب» يردد فى حياته: «إن أفكارنا كعرائس الشمع تظل ميتة.. حتى إذا متنا فى سبيلها دبت فيها الحياة».
لقد غازلت مظلومية سيد قطب تابعه «الظواهرى» فى طفولته، وحلم بأن يعيد إنتاج نموذجه وهو يسمع خاله يتحدث عن سيد قطب صاحب التفسير القرآنى والأديب والناقد الذى يقف متحدياً سلطة الحكم الذى ارتضى به الشعب، ويتدخل ملوك ورؤساء دول عربية للتشفع لدى جمال عبدالناصر لتخفيف حكم الإعدام عنه. كذلك سارت حياة رجل «القاعدة» الذى آمن بالقتل والتدمير كوسيلة للتغيير، ولم يستوعب من الآيات الكريمة التى تحكى سير أنبياء الله حرفاً واحداً، ولو كان فعل لعلم أن الإصلاح المتأنى وتقديم القدوة الطيبة الحسنة المحبة للبشر خير وأبقى.
والعجيب أنه كما انتهت حياة سيد قطب رحمة الله عليه على منصة الإعدام فى وقت كان يتحدث فيه ملوك وأمراء عن تخفيف الحكم عليه، انتهت حياة أيمن الظواهرى عند منصة طائرة مسيرة، وخرج رئيس أكبر دولة فى العالم (جو بايدن) ليعلن على العالم بيان مصرعه.