كل ميت حي

كل ميت حي

كل ميت حي

 العرب اليوم -

كل ميت حي

بقلم: د. محمود خليل

كان يقلب في صفحته على الفيسبوك كعادته.. فجأة شعر برأسه يفور، ثم يلف، باغتته سنة من نوم، شعر أنه في مكان غير المكان، حجرة كبيرة تزدحم بعدد من الأسرة، يتمدد فوقها مجموعة من المرضى.. الكل في زي البياض.. ذكره المشهد بقصيدة "ضد من" لشاعره الأثير "أمل دنقل"، والتي وصف فيها غرف المرضى، وكيف يتلون كل شىء فيها باللون الأبيض، بما في ذلك كوب اللبن، شىء يصيب القلب بالوهن.. تعجب حين شاهد جده يتمدد على سرير إلى جواره، لقد مات منذ زمان، فما الذي أتى به إلى هنا، أفاق من غفوته، وجد نفسه من جديد في غرفته أمام شاشة الموبايل، على صفحته على الفيسبوك، وصورة جده شاخصة أمامه.. لقد أضافها إلى صفحته منذ عدة سنوات ، واستمطر من أصدقائه الرحمات على روحه المسافرة، ثم نسي الأمر، إلا أن يذكره به "الفيس".

تأمل الصورة ثم تساءل متعجباً: جدي يبتسم، ما هذا إنه يتحدث، يكاد يقفز من الشاشة إلى خارجها.. أليس ميتاً يطير في السماء؟.. لا لا.. إنها ليست صورة جده، إنه شيخ آخر يشبهه في الملامح، لا إنه يختلف عنه تماماً، بل هو، لا ليس هو.. سكنت روحه وشعر أنه سقط في بئر صمت عميق.. بدا وجه الشيخ مريحاً.. أخذ يحملق فيه.. ويتأمله.. إنه أبيض الوجه تنم ضحكته عن بشاشة.. لا وجهه أسمر لكن فيه نور غامض.. شعره أبيض.. لا بل أسود.. طويل.. لا قصير.. بل متوسط الطول.. إن ملامحه تتغير بشكل يثير الدهشة والحيرة.. من يكون الشيخ يا ترى؟.. ينظر إليه الشيخ مبتسماً ويسأله: ألا تعرفني؟

- الشاب: لا يهم أن أعرفك أو لا أعرفك.. الأهم أن أجد صوتاً في بئر الصمت الذي أجد نفسي فيه.

- الشيخ: كيف لا تعرفني وأنت مني.. لقد وضعت صورتي على حسابك من بضع سنين؟

- الشاب (ضاحكاً): كيف لعجوز مثلك أن يعرف عالم التواصل الاجتماعي.. ويفهم في الحساب؟.

- الشيخ: عمري ما انشغلت بشىء في حياتي يا ولدي مثل الحساب.. وأكثر حاجة نبهتني له هي التواصل.

- الشاب: بدأت أذكر.. أنت.... أنت......

- الشيخ: جدك آدم.. هل نسيت اسمي؟

- الشاب: صح.. جدي آدم.. رأيت صورتك كثيراً في درج مكتب أبي لأن أمي ترفض تعليقها بالمنزل (ضاحكاً): أبي سماني على اسمك.. (باستغراب): أنت ميت أم حي؟.. وأنا.. حي أم ميت؟.

- الشيخ: كل ميت حي.. وكل حي ميت.

- الشاب: أذكر أن أمي حكت لي أن داء الخرف أصابك آخر عمرك.. وأنك كنت تتحدث إلى الأموات وأنت حي.. وتعامل الأحياء كموتى.. سلامتك يا جدي.. المهم قل لي: أنا حي أم ميت؟.

- الشيخ: قلت لك.. كل حي ميت.. وكل ميت حي.. أنت ميت حي.. تموت الروح في الجسد.. وتحيا خارجه.. هل تذكر آخر مرة جئتك فيها؟.

- الشاب: أذكر.. ساعات طويلة قضيتها على الواتس أتكلم مع صديقة.. ودخلت علي أمي وأنا أدخن وكسرت رأسي بمواعظها التي لم أسمع منها كلمة.. شعرت بالتعب ونمت وجئتني في المنام.

- الشيخ: كنت ميتاً.

- الشاب: بل نائماً.

- الشيخ: "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون".. نموت ونحيا كل يوم.. هل فهمت؟.

- الشاب: تقريباً.. لكن أريد أن أعرف وضعي في اللحظة الحالية.. ميت أم حي.

- الشيخ: بين بين.يتدفق صوت جده وهو يردد "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها".

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كل ميت حي كل ميت حي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab