المتصالحون والمتخاصمون

المتصالحون والمتخاصمون

المتصالحون والمتخاصمون

 العرب اليوم -

المتصالحون والمتخاصمون

بقلم: د. محمود خليل

كل شىء كان محدوداً فى الستينات والسبعينات، الاختيارات المتاحة فى كل المجالات قليلة.

يذكر جيل الثمانينات أنه عاش طفولته فى واقع يتيح القليل من الخيارات. البوتاجاز المسطح أبوثلاث عيون لا تزيد، ولم يدخل الكثير من بيوت الفقراء إلا فى السبعينات، وظلت البطولة لـ«وابور الجاز» ماركة «بريموس» أو «الأهرام» داخل هذه البيوت. عرفت مصر التليفزيون عام 1960، لكنه لم يدخل بيوت الكثيرين إلا منتصف السبعينات وما بعدها، وقد اعتمد هو الآخر على قناتين: القناة الأولى والقناة الثانية. الاختيارات على مستوى الصحف كانت محدودة أيضاً، فليس أمامك سوى 3 صحف يومية صباحية، رافقتها بعض الصحف المسائية فى ما بعد، كان يكفى جداً أن تقرأ واحدة منها فتعرف محتوى الباقى، لأن مصدر المحتوى كان واحداً. كان الراديو الوسيلة الأكثر ثراءً -بصورة نسبية- على مستوى حجم الاختيارات (عدد المحطات) ونوعية المحتوى، والفضل فى ذلك يعود إلى كتيبة الموهوبين فى التأليف والإخراج والتمثيل التى عملت فى الإذاعة خلال حقبتى الستينات والسبعينات. كما أن حجم انتشارية الراديو فاق التليفزيون بكثير داخل البيوت، بسبب رخص ثمنه، خصوصاً بعد ظهور الترانزستور.

مثّل الراديو رافداً مهماً من روافد تثقيف وبناء شخصية مواليد الستينات، يكفى أن أشير فى هذا السياق إلى مسلسل إذاعى على إذاعة «الشرق الأوسط» كان يحكى كل شهر قصة حياة أحد الرموز السياسية أو الفكرية أو الفنية فى حياتنا المعاصرة، من بين هذه الشخصيات مصطفى كامل وطه حسين وأنور المفتى وأنور وجدى وكامل الخلعى وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب وغيرهم كثيرون. أضف إلى ذلك الكثير من البرامج الأخرى الشهيرة، التى اتجهت إلى تغذية العقل ثقافياً، والتمثيليات والمسرحيات المنقولة عن نصوص عالمية، أو نصوص متميزة لكبار الأدباء المصريين.

ومع الدور المهم الذى لعبه الراديو يمكن القول إن الكتاب ظل طوال هاتين الحقبتين متربعاً على عرش التثقيف فى مصر. مواليد الستينات كان الكتاب بالنسبة لهم رافداً محورياً من روافد التعلم والتثقيف. والمصدر الأساسى السائد للحصول على الكتاب حينذاك هو «أسوار الكتب»، ومن أشهرها فى القاهرة «سور الأزبكية» و«سور السيدة زينب». كانت الكتب تباع بالكوم، وكل كوم بسعر، فالكتاب فى هذا الكوم بقرش، وفى هذا الكوم بقرشين وهكذا.

مواليد الستينات كانوا يقفون وهم يتلمسون عتبة المراهقة أمام أكوام الكتب الموزعة على الأسوار فيجدون عجباً.. روايات أدبية ودواوين شعر وكتب تراث طبعت فى عهد ما قبل الثورة، ومؤلفات أخرى لا حصر لها صدرت فى الخمسينات والستينات بعد ثورة يوليو، يدور أغلبها حول الاشتراكية والفكر الاشتراكى والمجتمع الاشتراكى، مجلات ميكى وسمير وتان تان ثم مجلدات ميكى جيب، ثم ألغاز محمود سالم «المغامرون الخمسة»، «أيام» طه حسين و«كناسة دكان» يحيى حقى، إلى جوار دواوين حافظ إبراهيم وخليل مطران، إلى جوار الاشتراكية فى الإسلام لمصطفى السباعى، إلى غير ذلك.

المفارقة بين الفكر والواقع فى حياة جيل الثمانينات وزّعت أفراده فى الحقب التالية على إحدى فئتين: الأولى هى فئة المتصالحين مع الواقع، والمستثمرين لما قرأوه فى الكتب فى سبيل تحقيق المكاسب، إعمالاً لقاعدة: «زيى زى أهل بلدى»، وفئة المتخاصمين مع ما يحيط بهم بسبب مفارقته للأفكار التى سكنت فى عقولهم وشدت على قالب متين. والعلاقة بين الفئتين من الرخاوة، بحيث تسمح للأفراد بالانتقال من طرف إلى آخر من طرفى معادلة «التصالح/ الخصام» بسهولة ويسر تبعاً للظروف.

 

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المتصالحون والمتخاصمون المتصالحون والمتخاصمون



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab