الدين والمسيطرون

الدين والمسيطرون

الدين والمسيطرون

 العرب اليوم -

الدين والمسيطرون

بقلم - محمود خليل

عندما اعتلى محمد على سدة الولاية فى مصر عام 1805 كان العقل الدينى المصرى يقبع فى حوزة المشايخ، وكان الوالى يستخدم هذه النخبة المسيطرة على العقل الدينى العام، ويلعب على أوتار مصالحها الضيقة لإيقاع الفتن فيما بينهم حتى يسيطر عليها بشكل كامل، وواصل توظيفها كأداة لإلهاب الحماس الدينى بالصورة التى تخدم مشروعاته، فباتت طاعته واجباً على كل مسلم، والخروج عليه بغياً وفساداً فى الأرض ومحاربة لله ورسوله.

جل تركيز الوالى كان منصرفاً إلى استخدام من حوله كأدوات لتحقيق مشروعه، وقد تمكن على هذا المستوى من تحديث أدوات الدولة ومعطياتها، لكن لم يكن لذلك مردود كبير على تحديث عقل أبناء الدولة من المصريين، لذلك فقد ترنح مشروعه فى التحديث بعنف بعد تقاعده ثم وفاته، بسبب عدم وجود قاعدة شعبية ساندة له، وترنحت معه رموز التنوير التى ظهرت فى عصره أو تربت فى سياق تجربته.

كافح رفاعة الطهطاوى ثم محمد عبده ثم تلامذته فى سبيل دفع العقل الدينى العام إلى إعادة النظر فى الكثير من الأفكار الخاطئة التى أكسبها طول الأمد ثوباً دينياً، لكن تأثير الكفاح كان محدوداً، بسبب عدم تكامل دائرته، فقد كان التنويريون يؤدون بأقصى درجات العقلانية والارتكاز وهم يحاولون تصحيح المفاهيم الخاطئة المتناقضة مع الفهم العقلانى للإسلام، لكنهم كانوا يخلعون ثوب العقل والتفكير النقدى فى حضرة «أفندينا»، ولك أن تراجع ما كتبه رفاعة الطهطاوى والإمام محمد عبده فى حق الوالى الكبير «ولى النعم» وخلفائه، وفى المرة الوحيدة التى ثار فيها الإمام على السدة الخديوية -أيام توفيق- أعلن بعدها توبته عن السياسة وساس ويسوس.

ليس معنى ذلك بالطبع القفز على أثر رموز التنوير فى تنشيط العقل النقدى، تماماً مثلما أسهم التعليم فى ذلك، لكن الأثر كان محدوداً ودائرة النقد كانت ضيقة، ولها خطوط محددة لا تستطيع تجاوزها. وقد بان أثر ذلك واضحاً حين ظهرت جماعة الإخوان على يد المرحوم حسن البنا عام 1928، حين تلقفت الجماعة نماذج مماثلة للمطربشين الذين انخرطوا فى التيار الليبرالى الوفدى من قبل، من الموظفين المتعلمين، وطلاب المدارس العليا، وصغار العمال والحرفيين.

استندت جماعة الإخوان إلى بيعة جوهرها «السمع والطاعة»، ولست بحاجة إلى تبيان أثر هذا المبدأ فى المصادرة على العقل ككل وحرية الرأى والتفكير، لكن الإنصاف يقتضى أن نشير إلى أن هذا المبدأ لم يكن خاصاً بـ«الإخوان» وحدها، بل مثل ديدن الكثير من التنظيمات السياسية التى ظهرت فى الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضى، خصوصاً بعد ترنح حزب الوفد والفكرة الليبرالية عقب قبول النحاس باشا رئاسة الحكومة على أسنة الحراب الإنجليزية (فبراير 1942). فأغلب التنظيمات التى ظهرت فى ذلك الوقت كانت تتحرك وكأنها تملك الحقيقة المطلقة.

الفارق الخطير بين جماعة الإخوان وغيرها من التنظيمات السياسية التى ظهرت فى ذلك الوقت وآمنت بمبدأ السمع والطاعة، أن «الإخوان» بررت ذلك بغطاء دينى، فجعلت من السياسة ديناً، ومن الدين سياسة، والنتيجة هز العقل النقدى المفكر الذى اعتمد الخالق عليه كأداة للإيمان الدينى، وترسيخ العقل التسليمى -باسم الدين- كأداة استخدمتها الجماعة فى السيطرة السياسية.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدين والمسيطرون الدين والمسيطرون



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab