بقلم - محمود خليل
إذا كان أهالى حى الخليفة والصليبة والخضيرى ومراسينا يلتمسون المدد عند مقام السيدة زينب بنت علىّ، فإنهم يلتمسون السكينة عند مقام السيدة سكينة بنت الحسين بحى «الخليفة». والأرجح أن السيدة الجليلة وفدت إلى مصر مع عمتها «السيدة زينب» وشقيقتها فاطمة، حين أراد يزيد بن معاوية إبعاد أهل البيت عن المدينة حتى لا يذكروا الناس بما ارتكبه فى حق الحسين وأهل بيت النبى، فاختارت العمة الجليلة مصر، ورحلت إليها مع بنات شقيقها الشهيد.
للإيمان «سكينة» وللجمال سكينته أيضاً. وقد جمعت السيدة سكينة بين الحسنيين، فجرى فى عروقها نهر الإيمان الذى ينبع من روافد عديدة تبدأ من النبى صلى الله عليه وسلم، ثم الجد علىّ والجدة فاطمة ثم الأب الحسين ثم العم الحسن. أما أمها فهى الرباب ابنة امرئ القيس الكندى ملك «بنى كلب»، ومنها اكتسبت السيدة سكينة جمال وشموخ الأميرات. وكان الحسين شديد الحب لزوجته «الرباب» والفتاة الرقيقة التى أنجبها منها «السيدة سكينة» وكان ينشد الشعر الذى يعبر فيه عن حبه لدار «تكون بها سكينة والرباب»، كما يسجل صاحب كتاب «مراقد أهل البيت فى القاهرة».
تمتعت السيدة سكينة بحكمة عميقة تجلت بأروع صورها فى قدرتها على وزن الناس من حولها بميزان دقيق (موضوعاً ولغة)، فعندما عامل يزيد بن معاوية نساء أهل البيت بما يتوجب عليه من إجلال وإكرام، قالت فيه قولتها العجيبة: «ما رأيت كافراً بالله خيراً من يزيد بن معاوية». هذه العبارة أوردها «ابن الأثير» فى «الكامل فى التاريخ»، وظهرت أيضاً داخل العديد من النصوص التراثية الأخرى، وهى شديدة الدلالة على شخصية السيدة سكينة رضى الله عنها، فرغم تكفيرها ليزيد، بسبب المذبحة المروعة التى قتل خلالها أهل بيت النبى فى كربلاء، إلا أنها امتدحته ووجدت فيه «خير كافر»، لما أجزل فى العطاء لها وأكرمها ونساء أهل البيت، بعد أن قتل عميد الأسرة «الحسين بن على».
كانت رضى الله عنها شخصية محبة للحياة، أبهرت مَن حولها بإيمانها وفرط حكمتها، وبما حباها الله تعالى من جمال صورة، جعلت الكثير من التابعين يهفون إلى الزواج منها. كان مصعب بن الزبير أول من تزوجها، وكان مبهوراً بجمالها ويتمنى الزواج منها، إلى حد أنه كان يصلى ويدعو فى حجر إبراهيم بأن ييسر له الله الزواج من سكينة بنت الحسين، واستجاب الله لدعائه.
يتفق المصريون على أن السيدة سكينة ماتت فى مصر ودُفنت فى مشهدها الشهير بحى الخليفة بالقرب من مسجد السيدة نفيسة، ويستدلون على ذلك بما ذكره «الشعرانى» فى طبقاته، حين أشار وهو يحدد أبناء الحسين إلى: «وكان له من الأولاد خمسة: علىّ الأكبر وعلىّ الأصغر وله العقب فإن الأشراف الآن منه، وجعفر وفاطمة وسكينة المدفونة بالمراغة بقرب السيدة نفيسة».
تربَّعت السيدة سكينة فى قلوب من يعيشون فى حى الخليفة والصليبة وما حولهما، وبات ضريحها مزاراً لأهل المنطقة وزوارها، يعيشون فى ظلاله عبق المعانى التى ترجمها اسم وسيرة السيدة سكينة من طمأنينة وهدوء وسكن ورضا بأقدار الخالق العظيم.