بقلم - محمود خليل
لو عدت بذاكرتك عقدين إلى الوراء وتذكرت كيف كان يفكر الشباب الذين يستقبلون الحياة وقتها، فسوف تجد أن بعضهم تبنى بشكل واضح «نظرية الأرنب» وهو يتحدث عن أحلامه للمستقبل. فأحاديث بعض الشباب لم تكن تتوقف عن الرغبة فى وظيفة بمرتب خيالى، وسيارة أحدث موديل، وشقة تمليك، وموبايل أحدث ماركة، وشوية براندات. وإذا ضحكت فى وجه هذا البعض وقلت إن هذه الأحلام تستوجب أن يصنع ملايين الجنيهات؟ سيجاوبك قائلاً: ما الكل عايش كده.. وإذا تعجبت وقلت له إن من يستطيع أن يحقق هذه الأحلام فى قفزة أرنب لا يزيد عن كونه فاسداً أو وارثاً؟ فربما أجابك قائلاً: وماله!
اختلفت نظرة الجيل الذى تفتحت زهرة شبابه مع مطلع الألفية الجديدة إلى الفساد عن نظرة الأجيال السابقة. بعض شباب الألفينات اعتبر الفساد «شطارة» وأداة من أدوات النجاح فى الحياة، ومن نجح منهم فى لعبة التحقيق السريع سخر من أبناء جيله الذين لم يحققوا مثله الملايين، وتساءلوا: هل من سر غير الفشل يمكن أن يفسر عجز شاب عن تحقيق الملايين وهو على عتبة الثلاثين؟
الاتجاه الإيجابى من جانب شباب الألفينات نحو الفساد، ونظرتهم الواقعية له، واعتباره حالة عادية، اختلف جملة وتفصيلاً عن اتجاه وموقف غالبية أفراد الأجيال السابقة نحوه، فقد اعتبروا الفساد آفة قادرة على تسميم الواقع وتدميره.
ثمة عامل أول جعل قطاعاً لا بأس به من شباب الألفينات يعتبر «الفساد أصل الإنسان»، يتعلق بظروف النشأة والتربية. فهناك فارق كبير بين جيل نظر إلى الدروس الخصوصية كمعيرة، وجيل اعتبرها الحالة الطبيعية للتعليم، وجيل نظر إلى الغش فى الامتحانات كسقطة أخلاقية لا تُغتفر، وجيل اعتبر الغش شطارة، جيل كان يستخفى حينما يفسد ويخبئ أموال فساده تحت البلاطة، وجيل يجلس آخر الليل فى أرقى الكافيهات ويتنافس فى الحكى عن فتوحاته فى الفساد والمغانم التى حصدها منه.
عامل آخر أسهم فى دعم النظرة الإيجابية للفساد لدى قطاع من شباب الألفينات، يتمثل فى اتساع قاعدة الفساد عند الانتقال من حقبة إلى حقبة، بدءاً من الستينات، حين كان الفساد محصوراً فى مساحة ضيقة تتصدر الهرم السكانى فى مصر، وفى السبعينات وما بعدها تسلل إلى القطاع الأوسط من الهرم فزادت مساحته، وفى التسعينات وما تلاها تمدد إلى قاعدة الهرم حتى بات حزبه الأكثر شعبية بين أهالى محروسة مصر المحمية.
تحول الفساد إلى أسلوب حياة لدى قطاع لا بأس به من أفراد أى مجتمع يؤدى إلى نتيجتين: الأولى تحول المرحبين بوجوده إلى آلات سحق لغيرهم. فمن يسكنه الفساد يريد أن يقفز ويطأ ويدوس كل ما يعوق رغباته فى الحياة، بغضّ النظر عن درجة موضوعيتها، يرفض أباه وأمه إذا لم يضعا بين يديه ما يريد، يأبى أن ترفض فتاة حبه، أو رغبته فى الزواج منها، فرغباته غير الموضوعية تجعله على استعداد لدهس العالم من حوله لتحقيق ما يريد فى أقصر وقت ممكن، ولا يعرف الصبر أو النمو الموضوعى المتأنى، لأن الكل كده.. الكل فاسد.. وماله لما أفسد أنا كمان.
حزب «وماله» حل محل حزب الـ«أنا مالى» فأحدث شرخاً خطيراً فى حياة المصريين.