بقلم - محمود خليل
تأثرت مصائر جميع الأجيال التى تقلبت على محروسة مصر المحمية خلال القرنين الأخيرين بمفهوم «الشبكة العائلية». وظهر أثر هذا المفهوم بعنف على مآلات جيل الثمانينات.. ذلك الجيل الذى استحضر بشكل خاص خلال فترة التسعينات المثل الشعبى الذى يقول «اللى ماعملُّوش جدوده يلطم على خدوده».
الروابط العائلية مثلت لبعض من أفراد جيل الثمانينات أداة للصعود، بعيداً عن معايير القدرة والكفاءة، فالواصلون داخل «العيلة» هم المؤهل الحقيقى القادر على الدفع بالفرد إلى الصفوف الأمامية، ليقف فى صدارة المشهد. وحذارِ أن تقول إن ضعف الكفاءة ستهز عرش الصاعد بروابطه العائلية فى لحظة ما وتكشفه على حقيقته، فالمسألة ليست كذلك، على الأقل فيما يتعلق بجيل الثمانينات.
من تمكّن من التسلق عبر شبكة عائلية معينة كان بمقدوره أن يختار الأكفأ من بنى جيله، ممن يملكون القدرات ويعوزهم العوامل اللازمة لركوب القطار الفاخر، قطار رجال الأعمال، ليحولهم إلى مجموعة من «الشغيلة». وأغلب من امتلكوا قدرات متميزة من جيل الثمانينات تحولوا إلى شغيلة عند نظرائهم من الكبار الذين امتلكوا أدوات الركوب.
الشغيل بطبيعته يمتلك القدرة والطاقة والصبر على العمل وبذل الجهد فى سبيل تحصيل قوته، والعمل كشغيل مثَّل خياراً أفضل لدى من لم يؤثروا الطريق الذى اختاره آخرون من جيل الثمانينات للعمل فى دول الخليج. لا يحقق الشغيل الدخل الذى يماثل دخول من يعملون خارج مصر، لكن يبقى أن حاله خير من الموظف الحكومى، بدخله الضامر باستمرار أمام المنحنى الصاعد للتضخم.
مجتمعنا له تجربة طويلة ومديدة مع المملوكية. وقد مكث المماليك سنين طويلة على كراسى الملك فى محروسة مصر المحمية، حتى كرسوا ثقافتهم وجذّورها فى المجتمع، وقد ذهبوا حين استأصل محمد على شأفتهم عام 1811، لكن أفراداً منهم أفلتوا، والأخطر أن ثقافتهم ظلت تعمل من جيل إلى جيل بعد هذا التاريخ.
فى بداية وجودهم فى مصر لم يكن المماليك أكثر من «شغيلة» يعطون مجهودهم لمن يدفع ثمنه، لكن وظيفتهم تلك تحولت إلى فكرة لا تفنى ولا تستحدث من عدم.
وتأسيساً على ذلك شكّل من يملكون روابط عائلية متميزة، سواء بالوراثة أو بالنسب، قمة الهرم الذى يقبع بداخله جيل الثمانينات، مثلهم فى ذلك مثل أى جيل، أما وسط الهرم فبداخله طائفة الشغيلة الذين يملكون الخبرات والقدرات، لكنهم مفلسون على مستوى الأدوات التى تمكنهم من الصعود، أما قاعدة الهرم فقد رزح فيها البسطاء من أبناء الجيل، الأقدر على التكيف على الأوضاع، أو التعالى عليها والتغريد بعيداً عنها فى عالم الدين، أو الدروشة، أو التنظير فى المسائل العامة والفكر والمجتمع وغير ذلك، وقد وجد أفراد قاعدة الهرم فى مواقع التواصل الاجتماعى متنفساً جيداً كآلة للبث أو الشكوى.
حصاد التسعينات لدى جيل الثمانينات حوّل قلة منهم إلى مجموعة من المتصالحين مع الواقع، وهى القلة المستفيدة التى تقبع فى قمة الهرم، وتهيئ نفسها مع مطلع الألفية الجديدة للجلوس على مقاعد صناعة القرار فى المواقع المختلفة، وكثرة غالبة مخاصمة للواقع، إما بسبب إحساسها بغبن الواقع لها، حين حرمها من فرص تستحقها ومنحها لمن يملكون الشروط غير الموضوعية للصعود، أو بسبب المفارقة الذهنية التى عاشتها بين ما نشأت وتربت وتعلمت وتثقفت عليه، وبين الواقع الجديد الآخذ فى التشكل منذ منتصف السبعينات حتى نهاية التسعينات.