بقلم: د. محمود خليل
تعقد أسباب الحياة، وصعوبة الحصول على وظيفة، وعجز المرتب عن تدبير لوازم الزواج خلال عقد الثمانينات، ظل يصب قطرات من زيت العدم على فتيل اليأس فيزيده اشتعالاً. بناء بيت وتكوين أسرة كان يشكل هاجساً أساسياً أمام أبناء هذا الجيل، فكانوا يندفعون إلى الزواج تحت أشد الظروف قسوة، لأن هذه الخطوة بالنسبة لهم كانت تُعد تحقيقاً، ونتيجة طبيعية تترجم نجاحهم فى التعليم والعمل.
الحب بالنسبة لأبناء هذا الجيل مثّل قيمة كبرى تغذى وجدانهم الطفولى والمراهق بأسمى معانى الحب عبر أفلام الخمسينات والستينات وما سبقها. سرت نبضات الحب وسكنت صوره فى مخيلتهم عبر أغانى عبدالحليم حافظ الذى أدركه جيل الثمانينات فى أواخر عمره، تشرّبوا معانى الحب السامية عبر أفلامه «حكاية حب» و«يوم من عمرى» و«معبودة الجماهير»، بالإضافة إلى أفلام أخرى عديدة، أُنتج بعضها قبل ثورة يوليو 1952 وكانت تؤكد على قيمة الحب الذى لا يعترف بفروق طبقية، مهما كان اتساعها.
فكرة انتفاء الطبقية حين يوجد الحب سكنت وجدان جيل الثمانينات فى الطفولة والمراهقة، لكنهم أدركوا فى شبابهم أنها وهم مستطير، وأن الواقع تغير بشكل جذرى طيلة السبعينات والثمانينات، ودهس المال كل القيم، وقيمة الحب على وجه الخصوص، بل ربما كان الواقع كذلك فيما سبق، وما تردد فى الأفلام مجرد «كلام سيما» وهم لا يعلمون.
لم يبرأ جيل الثمانينات من الأفكار المؤفلمة حول الحب بشكل كامل، رغم عدم واقعيتها، وظل يتشبث به فى صور جديدة. تشبثه بالحب عكس رغبة مبكرة للتغلب على أشباح اليأس التى بدأت تنمو فى الخطاب العام، وتجاوز المفارقة التى أدركها أبناء هذا الجيل بين الأفكار والمعانى التى تسكن وجدانه، والواقع الضاغط بقوانينه ومتطلباته. اندفع بعض أفراده إلى الغوص فى ليالى الحب وتحدى الواقع، وهيهات أن يكون لذلك جدوى. فالواقع أقوى من أن يتحداه فرد أو حتى كتلة متراصة من الأفراد، لكن يبقى أن حاجة كثيرين من أبناء هذا الجيل إلى المرأة كانت عاتية، شأنهم شأن أبناء أى جيل، وهو ما جعل الزواج حاجة أساسية بالنسبة لهم. وربما وجد ذلك تفسيره فى الدور الذى تلعبه ضغوط الواقع وتناقضاته وما يتسكع فى العقل والوجدان من أفكار ومشاعر فى دفع صاحبه أو صاحبته إلى البحث عن أنس المرأة أو الرجل، قد يكون ذلك السر فى القيمة الخاصة التى اكتسبها الزواج وبناء الأسرة لدى هذا الجيل.
الزواج -سواء لذكور أو إناث الثمانينات- مثل محاولة لمجاهدة «يأس النفس» الذى ظهر بصورة مبكرة داخل عقولهم ووجدانهم، وغذاه الخطاب العام الذى ظهر اليأس فى كثير من مواضعه خلال هذه الحقبة، وهو فى أغلب الأحوال زواج مؤسسى يقوم على فكرة التوافقات ويعتمد سياسة المواءمات، وقد يقدم ذلك تفسيراً لحالة تعدد الزوجات التى تجد لها صدى لدى أفراد هذا الجيل، إنه مجرد محاولة يائسة ومتأخرة للتوفيق بين أفكار الطفولة والمراهقة وصدر الشباب والواقع المفارق العنيد.