بقلم - د. محمود خليل
يتكون القرآن الكريم من عدد من السور يصل مجموعها إلى (114 سورة)، وكل سورة تتشكل من عدد من الآيات، التي قد يزيد أو يقل عددها، تبعاً للرسالة التي تحملها السورة.
ويعني ذلك ان "الآية" تمثل البنية الصغرى التي يتمحور حولها كتاب الله الكريم، والمعنى اللغوي لكلمة آية هو "العلامة" أو "الأمارة" أو "المعجزة"، أما المعنى الاصطلاحي فيدل على تقسيمة فقرات السور القرآنية الكريمة، عبر مفهوم الآية يتبلور معنى الإيمان في العقيدة الإسلامية.
فالإيمان بآيات القرآن الكريم يمثل جوهر الاعتقاد في رسالة السماء التي نزل بها الوحي الأمين على محمد صلى الله عليه وسلم. وداخل القرآن الكريم نفسه تجد توجيهات لا تتوقف للمؤمنين إلى ضرورة التأمل في آيات الله تعالى في الكون العريض، وفي النفس البشرية وأحوالها، وفي تفاعلات البشر في الماضي والحاضر.
يقول الله تعالى في أمر التدبر في آيات الكون المحيط: "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لقوم يوقنون".ويقول في شأن رصد تفاعلات البشر: "وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم"
ويقول في معرض الحديث عن ضرورة الاعتبار بآيات السابقين وعبرهم: "فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون".
كأن رحلة الإنسان في الحياة هي رحلة تأمل وتتبع لآيات الله في كونه، وفي نفسه، وفي الآخرين المعاصرين، أو السابقين الغابرين، ليستخلص منها القوانين التي تحكم حركة الحياة، وتيسر له السير الآمن فيها، حين يتفاعل مع الواقع المحيط به، أو مع الأحداث، ويحقق بالتالي أفضل أداء يضمن استقامة الحياة واستمراريتها على نحو أنجح.
ومن الملفت أن الخالق العظيم خاطب "العقل الإنساني" في مدار الحديث عن أي آية من آياته سبحانه وتعالى، تأكيداً على حقيقة أن العقل هو أداة الإيمان، أما سبيله فيتمثل في تدبر آيات الله، وبالتالي فقبول الآيات التي تتفاعل في الكون والحياة أساسه العقل، ورفضها أو الإعراض عنها أساسه العقل أيضاً.يقول تعالى: "إن في ذلك لآية لقوم يعقلون".
ويقول: "إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون"، ويقول: "إن في ذلك لآية لقوم يعلمون"، ويقول "إن في ذلك لآية لقوم يذكرون"، ويقول: "كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون".
من الخطورة بمكان أن يمر فرد أو جماعة على ما يتصورون أنه آية من آيات الله، دون توقف أو التفات لدلالاتها ومعانيها، وما تؤشر إليه من قوانين تحكم الحياة.
على سبيل المثال.. إذا وجدت يد الأقدار تتدخل بالعدل لإنصاف مظلوم، او لمعاقبة ظالم، فعليك أن تقف وتتأمل وتتعلم، وتفهم أن عدل الله قائم في الحياة، وأن الظلم لا يدوم، وأن معادلة "التوازن" التي أنشأ الله تعالى عليها الكون، وارتضاها أساساً لسلوك عباده، هي التي تحكم في النهاية، وتلك واحدة من آيات الله الكبرى في الحياة.
وعليك أن تتفهم أنه مهما تباينت الأحداث والمواقف والشخوص فإن المعادلة ستظل قائمة وتعمل.. وكما كان يقول أينشتين لا تتوقع أن تحصل على نتائج جديدة وأنت تكرر نفس التجربة.