بقلم: د. محمود خليل
حاجة الشعوب إلى التغيير حاجة ملحة وضرورية.. فلا مكان في العالم للساكنين، أو لمن يرفعون شعار محلك سر.. وأصل التغيير هو الفكر.. فالأفكار الساكنة في عقل الإنسان والراسخة في وجدانه لابد أن تتغير أولاً، لكي يكون بمقدوره تغيير الواقع من حوله.
الفكر يعكس نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى الآخر، وإلى أي حد يعتبر بحقوقه وحقوق الآخرين، ويحترم حقه الفردي وحق غيره، بالإضافة إلى قيامه بما يتحتم عليه من واجبات.
الفكر يحدد نظرة الإنسان إلى الماضي والحاضر والمستقبل، كيف يقيّم ماضيه، ويحاول الاستفادة من دروسه في الحاضر المعاش، دون أن يعيش أسيراً فيه، مؤمناً بأن لكل زمن رجال، ولكل "عصر أدان"، وموقفه من حاضره وهل يهمل في تطويره ودفعه إلى الأمام، أم يحاول استثمار معطياته لتحسين أحوال الحياة؟ ورؤيته للمستقبل وكيف يفكر فيه، وهل يعتبره امتداداً للحاضر، وثمرة لما يقدمه فيه، أم ينظر إليه بشكل منفصل فيقطع خطوط الاتصال بينه وبين الحاضر والماضي؟
الفكر يحدد سلوك الإنسان في الحياة، بما يعكسه من اعتقادات واتجاهات، تحكم نظرته إلى الأشياء، كل الأشياء التي تلزمه في حياته: الأكل، والشرب، والدواء، والأزياء، والسكن، والشهادات، والعمل، والوظائف، والمال، والموبايل، والسيارة، وكل ما تشابه مع ذلك، من احتياجات أساسية أو كمالية.الفكر يحدد نظرة الإنسان إلى الحب، والزواج، والتعلق بالأبناء، والصداقة، وكافة الأشكال الأخرى التي ترسم خرائط العلاقات الإنسانية، التي يجد نفسه في حاجة إليها.
وإلى أي حد يؤدي بإيجابية على هذه المستويات، ويفهم معنى الحب وأثره في السمو بالنفس، والزواج كمؤسسة قائمة على المودة والرحمة، والأبناء كخط مواصلة من أجل إعمار الحياة، والصداقة كإحساس بالأنس والألفة وعدم التوحد في العالم.
الفكر يؤسس لطريقة الإنسان في عمله، ومدى قناعته بإتقانه وتجويده، ومقدار محبته وإخلاصه له، ومداره في مثل هذه الأحوال هو درجة الرضاء عنه.. كما يتدخل الفكر في تحديد نظرة الإنسان إلى الوقت، ومدى احترامه لساعات الزمان، من منظور أن ساعات الزمن هي العمر، وأن على الإنسان أن يستثمر عمره فيما ينفعه وينفع الناس، ولا يضيعه هدراً.
الفكر يحدد نظرة الإنسان إلى العلم وقيمته وأهميته في حل مشاكل الواقع، فإذا امتلك الفرد أو المجتمع فكراً إيمانياً بالعلم، فسوف تجدهما يعتمدان عليه بشكل أساسي في مواجهة أي مشكلة تظهر لهما، وإن ضعف الإيمان به، فسوف يتحول إلى أوراق متراصة فوق أرفف المكاتب والمكتبات، دون أن يكون لها جدوى في الواقع.
كل حركة يتحركها الإنسان في الحياة هي حركة مدفوعة بفكر، سواءاً كان فكراً سلبياً أم إيجابياً، وفي الحالتين ستجد مردود ذلك على حياة الفرد والمجموع، وكل حدث يظهر على مسرح الحياة ستجد وراءه فكراَ، إما يدفع إلى الأمام، أو يدفع إلى الخلف، لذلك أقول لك أن أصل التغيير هو الفكر. ولن يتغير الواقع إلا إذا تغير الفكر.. ذلك فيما يتصل بالفكر الدنيوي أو فكر الحياة، أما الفكر الديني فأمر آخر.