الحكمة والانفلات

الحكمة والانفلات

الحكمة والانفلات

 العرب اليوم -

الحكمة والانفلات

بقلم - د. محمود خليل

في القرآن الكريم تجد الكبر وبلوغ الأشُد عنواناً للحكمة في الأغلب، أما الشباب فعنوان للاندفاع والرعونة في الأغلب. وهناك آيتان في سورة «الأحقاف» دالتان إلى حد كبير على هذا المعنى.

تقول الآية (رقم 17) من السورة الكريمة: «وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِى وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ». يقول «القرطبي» في تفسير هذه الآية إنها نزلت في عبدالله بن أبى بكر أو عبدالرحمن بن أبي بكر، وكان أبواه: «الصديق وأم رومان» يدعوانه إلى الإيمان بالله ويذكّرانه بالحساب، فيتأفف منهما، ويستغرب من كلامهما عن البعث، وقد سبقه إلى الموت كثيرون من قبله، ولم يُبعث أحد من قبله، وأمام هذا الكبر والغرور يستغيث الأبوان بالله ويحذران ابنهما المتكبر المغرور قائلين: ويلك آمن، ويؤكدان له أن وعد الله حق، فيرد عليهما: ما هذا إلا أساطير الأولين.

يذكر «القرطبي» أن السيدة عائشة، رضي الله عنها، نفت أن تكون الآية نزلت في عبدالرحمن بن أبي بكر. وأياً من كان الشخص الذى تحكى عنه الآية فهي تصف مشهداً موجعاً بين شاب في مطلع العمر، يشعر بقوته وعنفوانه، أمام أبوين مضى بهما العمر وصقلتهما التجربة وعلّمتهما الحكمة، وهما يحذران الشاب الأرعن من أن يضيع عمره سدى فيما لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة، فالوعي بمفهوم الحساب والقناعة به يصلح حال بني آدم في الدنيا والآخرة، فمن أمن العقاب وغاب عنه الحساب في الدنيا أساء الأداء مع البشر، ومن نسى حساب الآخرة ضل وزل وفسد وأفسد.

من المشهد الذي تصفه الآية (رقم 17) ننتقل إلى المشهد الذي وصفته (الآية رقم 15) من سورة «الأحقاف» والتي تحكي رحلة حياة بني آدم منذ الحمل والولادة حتى الكبر، يقول تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ».

نحن هنا أمام مشهد الرجل الذي امتطى عجلة الحياة ومر بتجارب تعلم منها حتى وصل إلى سن الحكمة، سن الأربعين، في هذه الحالة لا يحتاج الحكيم إلى من ينصحه، إنه من حال نفسه يتجه إلى الله، لو كانت الحياة قد عركته وأوجعته فعلاً، وعلمته قيمة النعم التى حباه الله بها عبر رحلته، فيتوجه إلى خالقه بشكر النعم العديدة التى أنعمها عليه، ويدعوه بأن يرزقه ويهيئه للعمل الصالح، ويبرأ إليه سبحانه من معاصيه، ويعلن استسلامه الكامل له.

إنهما مشهدان آسران للشباب وما يعترى الإنسان فيه من رعونة، وللرجولة والنضج وبلوغ الأشد بما ييسره الله للإنسان خلالها من حكمة وعمق في فهم الحياة ووضعها في حجمها الحقيقي، والبحث عن القيمة الحقيقية في إصلاح الحياة وإرضاء الخالق العظيم بالعمل الصالح.

arabstoday

GMT 00:06 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

صدمة خامسة!

GMT 00:04 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

شكرا للسيدة الهولندية!

GMT 00:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

بعد 50 عامًا

GMT 00:00 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

الاختيار

GMT 11:27 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

دوشة الطرابيش

GMT 11:26 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

تريليونات ترمب وفلسطين

GMT 11:24 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

ذكريات الحرب وبطولات الأحياء!

GMT 11:22 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

شبكة الأردن... واصطياد السمك الإخواني

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحكمة والانفلات الحكمة والانفلات



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:00 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

منصة إكس تطلق منصة مراسلة جديدة تسمى XChat
 العرب اليوم - منصة إكس تطلق منصة مراسلة جديدة تسمى XChat

GMT 09:17 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

قصة سوسن... ومآسي حرب السودان

GMT 15:06 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

الأمطار تسبب اضطرابات في شمال إيطاليا

GMT 15:05 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

ثلوج وأمطار كثيفة تضرب جنوب غرب سويسرا

GMT 15:04 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب إندونيسيا

GMT 07:39 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

وفاة الفنان المصري سليمان عيد

GMT 17:14 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

منذر رياحنة يتحدث عن علاقته بمصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab