فصامية «السخن والبارد»

فصامية «السخن والبارد»

فصامية «السخن والبارد»

 العرب اليوم -

فصامية «السخن والبارد»

بقلم: د. محمود خليل

خلال فترة الستينات، تناسل المصريون كما تعودوا أن يتناسلوا. خرج إلى الحياة من رحم الأمهات جيل يتراوح عمر أفراده الآن ما بين 53 و62 عاماً، ورحم الله مَن مات منهم.

انخرط أغلب أفراد هذا الجيل فى الجامعات أوائل الثمانينات وتخرجوا فيها خلال هذه الفترة. ومَن لم يكمل منهم فى الجامعة انخرط فى الحياة العملية مبكراً.

وإذا استندنا إلى معيار الدخول إلى معترك الحياة العملية كأساس لتحديد مفهوم الجيل، نستطيع أن نقول إن مواليد الستينات يشكلون ما يطلق عليه «جيل الثمانينات».

بدءاً من عام 2020، بدأ أبناء هذا الجيل فى السير على طريق المعاش، أو الركن على الرف، كما كان يحلو لآبائنا أن يصفوا مسألة الوصول إلى هذه المحطة، لكن للإنصاف مسألة الركن على الرف تلك بدأت مع هذا الجيل بصورة مبكرة منذ ما يزيد على عقد من الزمان.

ملمح النشأة هو الملمح الأجدر بالبدء به عند سرد رحلة أى جيل، ونعنى بالنشأة ظرف الميلاد، ورحلة التربية داخل الأسرة، وداخل المدرسة.

هذه العوامل تتدخل فى تحديد ملامح النشأة وتأثيراتها المتوقعة مستقبلاً على أبناء أى جيل، وقد كان للظروف «الفصامية» التى سادت فترة ميلاد ونشأة جيل الثمانينات أثر كبير على الطريقة التى تشكل بها فى المستقبل.

ولد أبناء «جيل الثمانينات» فى رحم الحرب، وراهق فى رحاب السلام.

فقد شهد عقد الستينات حربين فارقتين فى التاريخ المصرى، الأولى: حرب اليمن عام 1962، والثانية نكسة يونيو عام 1967.

وحين بدأ أبناؤه يتنسّمون خيوط المراهقة بتحولاتها إذا بالواقع يشهد تحولاً أخطر تمثل فى مبادرة السلام عام 1977، ثم اتفاقية المبادئ فى كامب ديفيد 1978، ثم معاهدة السلام 1979.

كان أثر هذا التحول على جيل الثمانينات يماثل أثر التحول الفجائى من «الماء الساخن إلى الماء البارد».

إنها مسألة تربك العقل وأعضاء الجسد. لك أن تتخيل المفارقة العقلية من جيل كان يغنى وهو خارج من المدرسة (هنحارب.. هنحارب) إلى (بالسلام إحنا بدينا بالسلام.. ردت الدنيا علينا بالسلام).

شاءت الأقدار أيضاً أن يقترن ظرف ميلاد هذا الجيل بتحول اقتصادى واجتماعى عاتٍ فى كل دروب الحياة فى مصر، حين بدأت رحلة التأميم، ووضعت الدولة يدها على مشروعات عهد ما قبل الثورة، ورحلة مجانية التعليم الجامعى، بما أتاحه لأبناء الفقراء وبعض شرائح الطبقة الوسطى من فرص لم يتمتعوا بها من قبل، ورحلة تمكين الفقراء من القوت والسكن والعلاج وغير ذلك.

كان لثورة يوليو الفضل فى اتخاذ القرار، لكنها لم تكن صانعة أدواته. فأغلب ما استفاد منه الفقراء ومتوسطو الدخل من جيل الثمانينات كان من ميراث ما قبل الثورة الذى وجّه «عبدالناصر» جزءاً منه إلى الشعب إعمالاً لمبدأ «الدولة الراعية»، وانطلاقاً من قاعدة «الفقراء عيال الدولة».

اختلف الوضع بعد ذلك فى السبعينات، حين كان جيل الثمانينات يتلمس عتبة المراهقة، فبعد عام 1974 وظهور سياسة الانفتاح الاقتصادى، ثم إنشاء المدينة الحرة فى بورسعيد، تغيرت صور الحياة فى مصر، وبدأت الدولة تفكر فى التخلى عن مبدأ الرعاية ولم يعد الفقراء «عيال» بل «عالة».

حاول «السادات» اتخاذ قرارات تترجم فكرة «الدولة المتخلية» والسوق الحرة ومبدأ البقاء للأقوى، لكنه جُوبِهَ بغضبة هائلة، لم تؤد إلى تخليه عن توجهه، بل بدأ يسلك -ومن بعده مبارك- طريقاً آخر لتطبيق المبدأ، تمثل فى ترك كل ما هو متاح للمواطن على ما هو عليه، دون أى تطوير، فكانت النتيجة: مدرسة بلا تعليم، ومستشفى بلا علاج، وسكن بلا آدمية، وقس على ذلك.

وكما كانت رحلة جيل الثمانينات على مستوى الحرب والسلام تحولاً «فصامياً»: من السخن إلى البارد، بدت كذلك على مستوى ما شهده ظرف الميلاد والنشأة على المستويين الاقتصادى والاجتماعى.

 

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فصامية «السخن والبارد» فصامية «السخن والبارد»



نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:05 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أردوغان ينوي بحث انسحاب القوات الأميركية من سوريا مع ترامب
 العرب اليوم - أردوغان ينوي بحث انسحاب القوات الأميركية من سوريا مع ترامب

GMT 11:35 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

مكون غذائي يساهم في تسريع تعافي العضلات بعد ممارسة الرياضة
 العرب اليوم - مكون غذائي يساهم في تسريع تعافي العضلات بعد ممارسة الرياضة

GMT 07:10 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

حكيم يرد على شائعة القبض عليه في الإمارات بفيديو من مصر
 العرب اليوم - حكيم يرد على شائعة القبض عليه في الإمارات بفيديو من مصر

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أحماض تساعد على الوقاية من 19 نوعاً من السرطان

GMT 19:21 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

بشكتاش يواصل انتصاراته فى الدوري الأوروبي بفوز صعب ضد مالمو

GMT 15:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع سعر البيتكوين لـ75 ألف دولار

GMT 16:36 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيمان خليف تظهر في فيديو دعائي لترامب

GMT 12:58 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

منى زكي تكشف عن تحديات حياتها الفنية ودور عائلتها في دعمها

GMT 15:12 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاق أول قمر اصطناعي مطور من طلاب جامعيين من الصين وروسيا

GMT 17:41 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إعصار رافائيل يتسبب فى وقف منصات النفط والغاز فى أمريكا

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف عبدالباقي يردّ على أخبار منافسته مع تامر حسني

GMT 14:28 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إعصار رافائيل يمر عبر جزر كايمان وتوقعات بوصوله إلى غرب كوبا

GMT 14:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف حركة الطيران في مطار بن جوريون عقب سقوط صاروخ

GMT 14:43 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

كندة علوش تعود إلى الدراما بمسلسل ناقص ضلع فى رمضان 2025

GMT 20:13 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات الأحزمة الفاخرة لإضافة لمسة جمالية على مظهرك

GMT 00:38 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab