بقلم - د. محمود خليل
أسباب عديدة تقبع وراء الأداء الرديء، يأتي على تركيبة رأسها تركيبة الإدارة، وسماتها واتجاهاتها نحو الجمهور الداخلي أو الخارجي الذي تتعامل معه.
لو افترضنا -على سبيل المثال- أننا بصدد شركة تقدم منتجاً معيناً إلى الجمهور، وتأملت نظام العمل بها، فستجد أن يتأسس على وجود إدارة (مدير ومجلس إدارة) ومجموعة من الشغيلة (يمثلون الجمهور الداخلي)، والمفترض أن الطرفين (الإدارة والشغيلة) يتعاونان معاً من أجل تقديم المنتج أو الخدمة إلى الأفراد المستفيدين (الجمهور الخارجي).من المفترض أن الشغيلة يتم اختيارهم من الجمهور، والإدارة يتم اختيارها من الشغيلة.
هذه الطريقة في الاختيار(من أسفل إلى أعلى) هي الضمانة الوحيدة للخروج بمنتج ذي مواصفات عالية، لأن الشغيلة كجزء من الجمهور أوعي باحتياجاته، والإدارة كجزء من الشغيلة، تمثل الأكفأ بين العاملين والأقدر على دفع الشركة إلى الأمام، لكن ما يحدث داخل مربعات "الأداء الردىء" يمثل العكس، إذ يتم الاختيار في الأغلب من أعلى إلى أسفل.
فالشغيلة لا يتم اختيارهم بشكل موضوعي، يرتكز على مبدأ تكافؤ الفرص من بين أفراد الجمهور العادي، بل يتم انتقاؤهم على أسس أبعد ما تكون عن مبدأ "الفرصة للأفضل"، والنتيجة أنهم يعملون بصورة غير واعية -وأحياناً متعالية- على الجمهور، وبالتالي يزهد الناس في نتاج عملهم، لأنه ببساطة لا يشبع احتيااجتهم او يلبي حاجتهم.
أما مجلس الإدارة فهو مجلس مصنوع، يصنعه المدير على عينه، وبالتالي فقراراته قاطعة فيما يتعلق بالمنتج الذي تقدمه الشركة، ولا تلتفت كثيراً إلى قدرة الشغيلة على التنفيذ من ناحية، أو ما يحتاجه الجمهور من مواصفات فيها، من ناحية أخرى.
هذه التركيبة في العمل لا تؤدي إلى الحصول على منتج جيد، لأنها محكومة بمبدأ التعالي على الجمهور، وباالتالي عدم الوعي أو الالتفات إلى احتياجاته.
فالإدارة تدير بقاعدة الاضطرار، وترى أن الشغيلة محكومون به، فبسبب ضيق الفرص أو محدوديتها سيضطر من يعمل في الشركة إلى قبول ما يفرض عليه من شروط عمل، وأنماط أداء، بغض النظر عن درجة رضاه عنها، ويؤدي ذلك إلى إهمال الشغيلة وعدم اكتراثهم بالتجويد، لا لشىء إلا لأنهم يتعاملون بمنطق أن الجمهور سوف يتلقى أي منتج يلقى إليه بالإذعان، بسبب محدودية البدائل.
تركيبة على هذه الشاكلة لابد وأن تفضي إلى أداء ردىء، فالتعالي على الجمهور، وعدم الوعي باحتياجاته، يمثل البوابة الملكية لسوء الأداء، لأن "المنتج جمهور" قبل أي شىء، والإحساس بالاضطرار لا يوفر بيئة عمل دافعة نحو التجويد أو تقديم الأفضل، بل تدفع "الشغيلة" إلى الإهدار وسوء استغلال الموارد والمعطيات المتوافرة، وغياب الحافز على تقديم منتج أفضل.
والأصل في كل هذه المشاكل هو الإدارة التي تم الدفع بها من أعلى دون تعبير عن "الشغيلة" من ناحية، ودون تقدير لـ"الجمهور" من ناحية أخرى.