بقلم - د. محمود خليل
أكثر ما ميز قوم عاد عن غيرهم من الأقوام هو الشعور بـ"فائض القوة".. يقول الله تعالى في وصفهم: "فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون".
فائض القوة أخطر مرض يمكن أن يصيب الفرد أو الجماعة أو المجتمع، ونهايته المحتومة هي الزوال، وواقع التجربة الإنسانية يقول أن أية قوة تختبر نفسها لابد أن تخسر، وذلك بالضبط ما حدث لقوم "عاد".
وأهل عاد هم أول من عبد الأصنام بعد طوفان نوح: "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح".
وقد حدد القرآن الكريم مؤشرات القوة التي تمتعوا بها في قوله تعالى: "أتبنون بكل ريع تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين".
امتلاك أدوات القوة غرت أهل عاد، وتحددت مؤشرات التطاول في أمرين: الأول الفخفخة في البنيان دون حاجة إلى ذلك، ليصبح البناء تعبيراً عن القوة، وليس عن الوظيفة، وتلك قمة العبث، والثاني التجبر على غيرهم بأقصى درجات "الافتراء".. يقول الله تعالى في وصف قوم عاد: "واتبعوا أمر كل جبار عنيد".
وقد أرسل الله تعالى إليهم نبيه "هود" يعظهم ويحاول أن يصحح معتقدهم ويردهم إلى عقيدة التوحيد، وينذرهم بعقاب الله إن أصروا على ما هم فيه.
والملفت أن أصحاب المنطق المريض من أهل عاد صرخوا في وجه "هود" لما دعاهم إلى ذلك قائلين: "قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة".
تخيل أن محدودي العقل والقدرة يصفون من يدعوهم إلى ترك عبادة حجر لا يضر ولا ينفع بـ"السفاهة"، أما هم فـ"عقلاء" راشدون! أوضح نبي الله "هود" لأهله في "عاد" أن كل غايته هي النصح لهم، وأنه يشفق عليهم من مآلات ما هم عليه، ودعاهم إلى الاحتكام إلى العقل والتفكير فيما يدعوهم إليه: "يا قوم لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون".
وكعادة من نسوا الله في كل زمان ومكان طلب أهل عاد من نبيهم "هود" أن يأتيهم بما يعدهم من عذاب بسبب صدهم وصدودهم عن سبيل الله: "فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين".
مثل قوم عاد في ذلك كمثل من يقول لشخص آخر يدعو على من ظلمه: أنت تدعو على ظالمك ولا يستجيب الله لك، وكأن الإنسان يشترط على الله حين يدعو بأن يحدد زمن ومكان القصاص. المسألة ليست كذلك فالله تعالى هو الذي يحدد الطريقة والزمان والمكان الذي يعاقب فيه.
لذا فقد رد عليهم "هود" رداً منطقياً للغاية كما يحكي القرآن: "قل إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به لكني أراكم قوماً تجهلون".
لقد أتت العقوبة حين أراد الله، فأرسل عليهم ريحاً وصفها القرآن بـ"العقيم"، بما يتناسب مع عقم تفكيرهم وزناخة عقلهم: "وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شىء أتت عليه إلا جعلته كالرميم".. ريح أرسلها الله عليهم دمرت عناصر القوة التي تباهوا بها بالأمس، أرسلها عليهم الرب القدير، جبار السماوات والأرض.