بقلم - د. محمود خليل
بعض البشر يبدون مسيطرين على الدوائر الواسعة التى يتحركون فيها، لكنك إذا اقتربت بعدسة التأمل منهم، وفحصت دائرتهم القريبة، فسوف تجدهم عاجزين عن السيطرة على عناصرها بصورة تثير العجب. تماماً مثل هذا الشخص أو ذاك الذى يبدو فى دائرة عمله المتسعة قادراً على السيطرة وفرض ما يريد على مَن حوله، لكن تجده ضعيفاً مترنحاً أمام زوجته وأولاده. أعظم العظماء وأقوى الأقوياء أحياناً ما كانوا يؤتون من جهة شريكة حياتهم، وإلا لماذا قالوا فتش عن المرأة؟المتأمل فى حياة الملك فؤاد يستطيع أن يستخلص هذا المعنى بسهولة، فقد تمتع الرجل بشخصية قوية مريدة قادرة، يكفى أن أستدل على ذلك بما قاله عنه عباس محمود العقاد -عملاق الفكر والأدب- فى كتابه عن «سعد زغلول»: «والملك فؤاد أقوى شخصية ظهرت على عرش مصر بعد محمد على. تولى الملك وهو فى أوائل الشيخوخة، وذلك فى الخمسين من عمره». اعتلى «فؤاد» سدة الحكم بعد وفاة شقيقه السلطان حسين كامل عام 1917، وواجه ما كانت تعانيه مصر من مشكلات جراء فرض الحماية الانجليزية، واستنزاف إنجلترا لمقدراتها فى الحرب. وفى عام 1919 اندلعت فى مصر ثورة كبيرة من أجل التخلص من الاستعمار، وأدار الرجل بعدها العديد من المعارك السياسية مع عتاة السياسة، خرج منها فائزاً، وما أكثر ما كان يواجه الساسة ناصحاً: الخير لكم وللناس أن تشتغلوا بالأعمال العلمية والصناعية بدلاً من السياسة.هذا الرجل بكل عنفوانه كانت مأساته فى بيته الذى يؤويه. تزوج «فؤاد» قبل أن يصير ملكاً للبلاد من الأميرة شويكار حفيدة البرنس أحمد رفعت بن إبراهيم بن محمد على. كانت امرأة متواضعة الجمال، ولم تدم الزيجة -كما تذهب «سهير حلمى» صاحبة كتاب «أسرة محمد على- أكثر من ثلاث سنوات، بسبب الشجارات الدائمة بينهما، أنجبا خلالها ابنتهما الأميرة فوقية. وعقب طلاقهما تعرض «فؤاد» لمحاولة قتل على يد شقيقها البرنس أحمد سيف الدين، فأطلق عليه ثلاث رصاصات، فأصابته اثنتان، وطاشت الثالثة، انتقل بعدها إلى المستشفى حيث عولج، لينجو من الموت بأعجوبة.لم يتزوج «فؤاد» ثانية، إلا بعد أن صار سلطاناً على البلاد، فعقد قرانه على «نازلى» حفيدة سليمان باشا الفرنساوى، وكانت تصغره بـ29 عاماً كاملة، وأنجب منها ولى عهده فاروق، بعد أن تجاوز الخمسين من عمره، ثم أنجبت له أربع بنات، اعتمد على أسلوب منغلق فى تربيتهن، رغم ما كان يباهى به فى أحاديثه من أنه عاش حياة منفتحة على كافة طبقات الشعب.كان عنصر الزمن هو أكثر ما يقلق راحة الملك فؤاد، فقد ظل يطارد السنوات حتى تمر ويكبر ابنه ليتولى الحكم من بعده. كل سنة تمر تضيف إلى عمر فاروق، وتخصم فى المقابل من عمره، ولم تكن فى الوقت نفسه تترك أثراً فى الفاصل الزمنى الكبير بينه وبين الملكة نازلى (29 سنة)، ومع عبور الملك حاجز الخامسة والستين بدأت صحته تتضعضع إلى حد كبير، وتفجرت الأمراض داخل جسده الواهن، وكان للأثر الذى تركته محاولة اغتياله على يد شقيق زوجته الأولى دور واضح فى التعجيل بأمر الله فيه، فلقى وجه ربه فى أبريل عام 1936.