بقلم - د. محمود خليل
ثقافة المكسب السريع تقدم لنا نوعاً جديداً من «المترفين». يبدأون رحلة الاجتهاد، وإن هى إلا خطوة أو خطوتان حتى تنهمر عليهم التحقيقات والأرباح، وأمام المغانم المنهمرة يكسل الشخص عن بذل المزيد من الجهد، ويأخذ فى تكرار نفسه، وتكون النتيجة التوقف أو عدم المواصلة حتى يتفرغ لعيشة الترف، فتفسد نفسه ويسهم فى إفساد من حوله.
نماذج عديدة لهذا النوع من المترفين تجدها تنتشر حولك، يظهر فيها أشخاص توقفوا إلى حد كبير عن الاجتهاد فى مجالاتهم، ورغم ذلك ما زالت المكاسب تتحقق.
لعلك تذكر على سبيل المثال أسماء بعض الممثلين الذين أنتجوا عدداً محدوداً من الأفلام حققوا من خلالها مكاسب هائلة لم يحققها فنانون كبار عرفهم التاريخ الفنى بغزارة إنتاجهم.
بعدها بدأ بعضهم يكسل، وبعضهم يتباطأ، والبعض أصابه الغرور والتعالى على العمل، واتجه أغلبهم إلى القعود والاستمتاع بما حققوه من مكسب سريع، ومن حين لآخر تجدهم يؤدون أعمالاً بعيدة عن الفن، مثل الإعلانات، أو الظهور فى البرامج التليفزيونية، أو تقديم البرامج وغير ذلك.
فى دنيا المال والأعمال أيضاً تجد نماذج عديدة لأشخاص حققوا مكسباً سريعاً، نتيجة صفقات حصدوا منها مغانم غير متوقعة، تحفزهم -على النقيض من نموذج أهل الفن- على عقد صفقات عديدة من هذا النوع، وهى غالباً ما تأتى بعيدة عن أى مجالات إنتاجية تؤدى إلى دفع المجتمع إلى الأمام.
على مستوى الأسر قد تجد نماذج حققت الترف عن طريق المكسب السريع، فتجدها فجأة قد تحولت فى سلوكها، فبدلاً من أن توجه هذه المكاسب إلى الإنتاج وتطوير أحوالها، تجدها ميالة إلى «الفشخرة»، فيضيع المكسب سريعاً، كما جاء سريعاً، بل وقد يؤدى إلى إفساد أحوال الأسرة.
فانتعاش الميول الاستهلاكية لدى الأفراد يؤدى إلى تراجع منسوب الأخلاق والاحتكام إلى القيم والسلوكيات الراشدة، ولك أن تتصور ما يمكن أن يترتب على ذلك من إرباك للأسر يصل فى بعض الأحوال إلى حد التدمير.
هذه الحالة الترفية تؤدى إلى ركود الإنتاج حين يدفع المكسب السريع أصحابه إلى الكسل عن الاجتهاد، فى المجال الذى يتصدره أصحاب المكسب السريع، ويؤدى إلى سيطرة الاستهلاك، حين يغرى المكسب السريع صاحبه بنصب أسواق التفاهة والرداءة.
فى كل الأحوال لا يعبر المكسب السريع عن حالة انتعاش أو رواج داخل المجتمعات، بل على العكس تماماً فهذا النوع من المعادلات لا يستقيم مع المجتمعات المتقدمة التى تحتكم إلى قيم عقلانية وموضوعية فى إدارة كل أمورها، بصورة لا تسمح لمحدودى القدرات أو أنصاف المتعلمين إلا بتحقيق ما يتناسب مع قدراتهم أو «علامهم»، فى مثل هذه المجتمعات تتحقق المكاسب بالإبداع والابتكار والتجديد والاجتهاد والإضافة، وقليلاً ما تكون المصادفة وراء المكسب، أما فى غيرها، فالمصادفة وعوامل أخرى، مثل الحظوة والشلة والانكفاء، تلعب الأدوار الأهم فى الوصول بالأفراد إلى منصات الترف.