بقلم - د. محمود خليل
حدّثتك عن وعد الرئيس «السادات» بتحقيق الرخاء بعد بدء رحلته لتحقيق السلام بين مصر وإسرائيل عام 1977. كان أكثر ما يؤرق المواطن حينذاك هو الحصول على مسكن يؤويه بعد أن ضاقت القاهرة بأحيائها القديمة والجديدة على سكانها، بسبب الزيادة السكانية، لذلك اتجه الرئيس إلى بناء مدن جديدة على تخومها الصحراوية، وبدأها بمدينة «السلام». وكان السادات ميالاً إلى تسمية إنشاءاته باسم إنجازاته السياسية، مثل «مدينة 6 أكتوبر»، و«مدينة العاشر من رمضان»، تخليداً لانتصار أكتوبر، و«مدينة 15 مايو» المعبرة عن انتصاره على خصومه السياسيين فى مايو 1971.
تقدم لك «مدينة السلام» نموذجاً على الجهد الكبير الذى يمكن أن يبذل فى سبيل خلق حياة نظامية، ما أسرع ما تهز أركانها يد الفوضى الشعبية، والإهمال الحكومى.
يكفى أن أحيلك إلى العديد من التقارير التى يمكن أن تجدها على شبكة الإنترنت لتصف لك حالة الانهيار العام فى المدينة، على مستوى القمامة، وطفح المجارى، والعبث المرورى، وغير ذلك من أمور، تشهد على غياب الحكومة من ناحية، وحالة العبثية التى يتعامل بها السكان مع المكان، من ناحية أخرى، داخل مدينة «السلام» التى تخلّد محطات الرخاء الناتج عن رحلة السلام المصرى الإسرائيلى منذ عام 1977 وحتى الآن!العجيب أن الحال لم تكن كذلك داخل «المدينة المحاربة» -مدينة القاهرة- فى الستينات وحتى خلال السبعينات. فقد كان سكان أحياء القاهرة القديمة شديدى الحرص على نظافة المكان الذى يعيشون فيه، كان كل صاحب محل أو مقهى أو غيره، ينظف المكان الممتد أمامه فى الشارع أو الحارة، وكان السكان دائبين على الكنس أمام بيوتهم، وفى أيام الخريف والصيف كانوا يحرصون على الكنس والرش، وكانت البيوت والمحال تبتهج بالزينة فى المناسبات المختلفة، أما الزرع فحدث ولا حرج، إذ كان سكان كل مكان داخل أحياء مصر القديمة يزرعون أمام بيوتهم، وظلت الحال كذلك، حتى بدأت الدولة فى إهمال المرافق، فطفحت المجارى فى الشوارع، وبات انقطاع المياه عادة، فحلّ القبح مكان الجمال، والأخطر أن أعين الناس ألفت مظاهره، وتعودت عليه بعض النفوس.إنه الفارق بين عقل وثقافة مؤمنة بالجمال، وتربت على فكر التعاون فى تحقيقه فى المكان الذى تعيش فيه، لأنهم بشر نظيفون من حقهم العيش فى بيئة نظيفة، مهما كانوا فقراء، وعقل وثقافة ربّت البسطاء على أنهم «زيادة عدد»، وأن الأماكن التى يسكنون فيها جحور، ويكفى جداً منحها لهم، ويتوجب عليهم صيانتها بأنفسهم، دون وعى بأن عقلهم وثقافتهم لا بد أن تتطور، بحيث يستعيدون ذاكرتهم كبشر لهم حقوق، وأن المكان الذى يعيشون فيه مكانهم الذى يتوجب عليهم الحفاظ عليه، بالإضافة بالطبع إلى قيام الأحياء والمحليات بأدوارها على هذا المستوى.
حالة مدينة السلام تجد لها أشباهاً داخل العديد من المدن الجديدة التى تم بناؤها خلال العقود الماضية، لكن حالة هذه المدينة على وجه التحديد تحمل رمزية خاصة، تشير إلى أن «السلام» أعاد اكتشاف القبح الذى كان مستتراً أيام الحرب، وأنتجه فى نسخ جديدة أشد رداءة.