"إن الجسد كساء مؤقت فلا تكترث الروح به أكثر من اكتراث السجين بسلاسله".. كان آدم كثير التأمل لهذه العبارة التي قرأها في أحد كتب جده آدم الكبير.. أراد أن يفهم أكثر.. فقرأ كتباً أخرى عن علم الروحانيات بعيداً عن الكتب التي ألفها جده.. لم يفهم أغلب ما قرأ فيها..
بدا الأمر بالنسبة له مجموعة من الألغاز.ترك كتب الأرواح والروحانيات.. وعمل بوصية جده في قراءة التاريخ.. تعمد بشكل خاص أن يقرأ عن الفترة التي عاش فيها جده منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى عام 1972.. مع كل حدث يقرأه كان يتخيل موقف جده منه وكيف تفاعل معه.. ظل يفكر كثيراً في شخصيته وتفكيره.. تساءل أين يكون الآن؟..
استرجع حكايات أمه عن الأعاجيب التي كان يأتيها.. وكيف توقع أن يموت قبل لحظة وفاته بسبعة أيام.
وفي أحد الأيام بعد ساعات إجهاد طويلة قضاها في التفكير في حياته قبل "كورونا" وحياته بعدها.. واسترجاع حواراته مع جده في العزل.. وتذكر الكلمات العجيبة التي سطرها جده في كتبه.. غرق في نوم عميق.. وحضر له جده في المنام:
- الشيخ: قم يا "آدم" فقد آن الأوان.
- الشاب: جدي.. أين كنت؟.. أحتاج إليك.
- الشيخ: كلنا محتاج إلى الله يا ولدي.. والله يبارك من يسعى.
- الشاب: قرأت كل كتبك.. فهمت منها أشياء ولم يستوعب عقلي أشياء أخرى.
- الشيخ: المهم أن تتسلل الفكرة إلى الروح وتسكنها.. فرحت كثيراً لما رأيتك تقرأ في التاريخ.
- الشاب: تعلمت منك يا جدي أنه آلة الزمن.. عشت بين سطور الكتب مع أهل زمانك.
- الشيخ: جميل.. لكن هناك أيضاً المستقبل.. الزمن يا ولدي ليس ماض فقط.. أو حاضر فقط.. إنه أيضاً مستقبل.. إنك الآن تعرف ماضيك وتفهم حاضرك.. فماذا عن المستقبل؟.
- الشاب: يا جدي أنا خريج كلية علوم.. ومثلي لا يطلبه أحد لعمل.. لقد دخلتها رغماً عن أمي وأبي.
- الشيخ: عناداً؟
- الشاب: لا لكنني أحب هذا النوع من الدراسة.. أعشق علوم الفضاء.. هذه هي مشكلتي.
منذ طفولته كان "آدم" شغوفاً بعلوم الفضاء.. يقرأ كل ما يقابله من قصص حولها.. شاهد كل الأفلام الأجنبية التي تمكن من الوصول إليها ووجدها تعالج هذا الموضوع.. كان ينام ويحلم أنه بين النجوم.. وبعد أن حصل على الثانوية العامة صمم على دخول كلية العلوم.. لم يهتم باعتراضات أمه وأبيه.. والتحق بها.. ثم اختار قسم الفلك..
كان الطالب الوحيد من بين طلاب دفعته الذي التحق بهذا القسم.. والمضحك أن أساتذته ظلوا يرجونه أن يترك القسم لأنه من غير المعقول أن يعمل قسم علمي من أجل طالب واحد، لكنه صمم على ذلك.
- الشاب (ضاحكاً): كنت الأول على دفعتي يا جدي التي لم يكن فيها غيري.. برجلت الجامعة كلها عندما قررت الالتحاق بقسم الفلك.
- الشيخ: "وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعملون".. فاهم يا آدم "لقوم يعلمون"
- الشاب: أبحث عن الطريق يا جدي ولا أصل.
- الشيخ: ابحث.. الروح لا تنطلق إلى المستقبل إلا بالبحث.
- الشاب: لا أصل.
- الشيخ: ابحث.
- الشاب: لا أصل.
- الشيخ.. ابحث.. ابحث.. ابحث وسوف تصل.