أمي هقع

أمي هقع!

أمي هقع!

 العرب اليوم -

أمي هقع

بقلم - د. محمود خليل

عبارة سحرية تعودت أن أستفز بها اهتمام أمى حين أجدها غافلة عنى.. «أمى هقع».. كانت العبارة كفيلة باستنفارها ودفعها إلى تسلق جبال، وعبور بحار، والعدو عبر السهول، لتمد يدها الملهوفة إلىّ، وتمسك بى وتنقذنى من الوقوع.«أمى هقع».. تحولت فى بعض أحوال طفولتى إلى لعبة كنت أمازح بها أمى، مثل لعبة حمدان والذئب.. أصرخ لها: «أمى هقع» فنهرول نحوى، لتجدنى واقفاً بلا بأس، ساخراً أردد: «ضحكت عليكى»، لم تخذلنى حين كانت اللعبة تتكرر، كما فعل أهل القرية مع «حمدان»، حين أدركوا لعبته آخر الأمر.

كان هناك سبب يدفع اليد الحانية إلى أن تمتد لى فى كل الأوقات أكثر مما تمتد إلى إخوتى، سبب ارتبط بعام 1964 وهو العام التالى لمولدى. خلال الأيام الموجعات لهذا العام كان وباء شلل الأطفال يضرب فى كل اتجاه داخل بر مصر، من حصل على «التطعيم» ومن لم يتبختر السائل فى جسده، لأن تطعيمات شلل الأطفال التى دخلت البلاد خلال النصف الأول من عقد الستينات لم تكن صالحة، فضرب المرض الكثير من أطفال ذلك الزمان، وكنت واحداً ممن ضربهم.

الحياة تجرى بمقادير الله، ولا يعلم أحد أين يخبئ الله تعالى له الخير؟.. قد يكون مختبئاً فى الابتلاء.. لا أحد يعلم.. هكذا علمتنى أمى، وهى تحملنى فوق كتفها أو بين ذراعيها، طفلاً لا يقوى على الوقوف على قدمين.. الأعوام تمضى، والحمل يزيد، والطفل يبلغ الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، والأم تحمله، وكلما حملته أكثر تشبث بالحالة، وأبى النزول إلى الأرض، ليحاول السير مستنداً إلى حائط أو إلى ذراع أحد اخوته.خطوات بطيئة متلعثمة مرتبكة بدأ يخطوها، غالباً ما كانت تنقطع بالانكفاء على الأرض، فتهرول الأم وتحمله وتسأل: «أما آن للراكب أن ينزل؟».

ظل الطفل يلعب معها لعبة «أمى هقع» فتأتيه مهرولة حتى يستعيد ذكرى الارتباط بهذه الحانية، ثم شب وكبر، وصار يسير بمفرده معنوناً بالابتلاء الذى ضرب جيله: «شلل الأطفال».

لم أعد بحاجة إلى أن أكرر اللعبة مع أمى، لكنها كانت دائبة على تذكيرى بها.. ألاطفها وأقول لها: «ده كان زمان!.. أيام ما كنتى بتشيلينى».. وكانت ترد: «شلتك امبارح بدراعينى.. والنهارده قلبى هو اللى شايلك».كنت أضحك من الأم الحانية.. وأكرر لها: «لا.. أنا النهارده قادر أوزن نفسى وأمشى».. فتكرر قولها وتبتسم.. لم أكن فعلاً أشعر بأية مشكلة، وكنت أظن فعلاً أننى بت قادراً على السير بمفردى، دون حاجة لأن أصرخ: «أمى هقع».

حين توفيت أمى عام 2017 بدأت تنتابنى حالة عجيبة.. مرت الأمور بشكل عادى خلال الشهور الأولى لرحيلها، لكن فجأة بدأت أشعر بأننى لا أستطيع السير بنفس القدرة التى كنت عليها.. فكرت كثيراً فى الأمر.. قد يكون مرور العمر وتضعضع الصحة.. لكن فى إحدى لحظات التفكير أدركت معنى العبارة البليغة التى كانت ترددها حين أباهيها بأننى قادر على السير وحدى، عبارة: «النهارده قلبى اللى شايلك».. كأن قلبها بالفعل كان يزننى كبيراً، بعد أن حملنى كتفها وذراعاها صغيراً.. لقد كانت تسندنى فى كل لحظة دون أن أدرى.

بعد أن رحلت أمى أصبحت أسير فى الهواء، مرتبك الخطوة متلعثم النقلة، إلا أن تصرخ روحى لروحها الطيبة «أمى هقع» فتسندنى.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمي هقع أمي هقع



نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:20 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تشن غارات جنوبي لبنان ومقتل 3 مواطنين في صيدا
 العرب اليوم - إسرائيل تشن غارات جنوبي لبنان ومقتل 3 مواطنين في صيدا

GMT 11:35 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

مكون غذائي يساهم في تسريع تعافي العضلات بعد ممارسة الرياضة
 العرب اليوم - مكون غذائي يساهم في تسريع تعافي العضلات بعد ممارسة الرياضة

GMT 07:10 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

حكيم يرد على شائعة القبض عليه في الإمارات بفيديو من مصر
 العرب اليوم - حكيم يرد على شائعة القبض عليه في الإمارات بفيديو من مصر

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أحماض تساعد على الوقاية من 19 نوعاً من السرطان

GMT 19:21 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

بشكتاش يواصل انتصاراته فى الدوري الأوروبي بفوز صعب ضد مالمو

GMT 15:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع سعر البيتكوين لـ75 ألف دولار

GMT 16:36 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيمان خليف تظهر في فيديو دعائي لترامب

GMT 12:58 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

منى زكي تكشف عن تحديات حياتها الفنية ودور عائلتها في دعمها

GMT 15:12 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاق أول قمر اصطناعي مطور من طلاب جامعيين من الصين وروسيا

GMT 17:41 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إعصار رافائيل يتسبب فى وقف منصات النفط والغاز فى أمريكا

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف عبدالباقي يردّ على أخبار منافسته مع تامر حسني

GMT 14:28 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إعصار رافائيل يمر عبر جزر كايمان وتوقعات بوصوله إلى غرب كوبا

GMT 14:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف حركة الطيران في مطار بن جوريون عقب سقوط صاروخ

GMT 14:43 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

كندة علوش تعود إلى الدراما بمسلسل ناقص ضلع فى رمضان 2025

GMT 20:13 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات الأحزمة الفاخرة لإضافة لمسة جمالية على مظهرك

GMT 00:38 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab