هذا الموضوع كبير.. كبير جداً سيكون له أثر واسع على خرائط القوة والقدرة والنفوذ والتأثير العالمى. عن انهيار أسعار النفط إلى «الأرض» أتحدث.
تعلم أن الدول المصدرة للبترول التى تتمتع باحتياطات من هذا الخام تتمتع بنفوذ وتأثير كبيرين وقوة وقدرة على إدارة الألعاب داخل الإقليم الذى تعيش فيه وعلى مستوى العالم، وإن تم ذلك بدرجات مختلفة، تبعاً لامتلاكها عناصر قوة أخرى مضافة إلى النفط.
الدول التى أسست اقتصادها على الريع البترولى أو الغازى سوف تعانى بشدة خلال الأشهر القادمة.
وسوف تفقد الكثير من نفوذها وقدرتها على التأثير.
قد يقول قائل إن انهيار أسعار النفط سببه عدم وجود من يشتريه بسبب أزمة كورونا، قد يكون، لكن من يتبنى هذا القول عليه أن يأخذ فى الاعتبار أمرين أساسيين.
الأمر الأول يرتبط بأصل الانهيار المدوى فى أسعار البترول والمتمثل فى العقود الآجلة. وليس هناك خلاف على العلاقة بين «العقود الآجلة» و«فيروس كورونا»، فانهيار أسعار التعاقدات الآجلة يمنح إشارة إلى وجود نوع من التحسب أو التوقع لتطورات الفيروس خلال الشهور القادمة، وأنه قد يظل مصاحباً لدول العالم لمدة ما، يعلمها أصحاب العلم!.
أباطرة المال والأعمال فى العالم الذين سوف يتولون رسم صورة الاقتصاد العالمى بعد كورونا قلقون من الشهور القادمة أو لديهم كما ذكرت لك توقع بأنه لن ينحسر قريباً.
وبعض هؤلاء يشترون البترول الآن بالبخس ويحقنونه فى مخازنهم.
الصين على سبيل المثال بدأت أوائل أبريل الجارى فى شراء كميات إضافية من النفط -مستغلة انهيار أسعاره- لتخزينها فى مستودعاتها.
وأظن أن دولاً شبيهة تفعل ذلك وتحاول الاستفادة من الموقف، مثل الولايات المتحدة.
وقد أتخمت هذه المستودعات بالبترول إلى درجة دفعت إلى بيع البترول يوم الاثنين الماضى بأى ثمن ولو بالدفع على البرميل!.
ويعنى ذلك أن انهيار أسعار النفط يحتمل أن يتواصل لشهور قادمة عديدة، وأن الأمر ليس مؤقتاً كما يتصور البعض، وأن أثره يمكن أن يستمر حتى بعد زوال الظرف المرتبط بانتشار فيروس كورونا.
لأن مخازن النفط ممتلئة عن آخرها.
ثمة أمر آخر يدحض التصور بأن الانهيار الحالى فى أسعار البترول مؤقت، يتعلق بالمستحدثات الجديدة التى بدأت تحتل مكانة كبيرة فى عالم الطاقة، مثل البترول الصخرى، وهو نوع من البترول المستخرج من الصخور، وكانت مشكلته فى الماضى تتعلق بارتفاع تكلفة إنتاجه.
الدنيا بدأت تختلف وأسعار الإنتاج بدأت تقل وأصبح البترول الصخرى منافساً للبترول الرملى.
ومنذ سنوات طويلة نشطت أمريكا فى استخراج هذا النوع من البترول، وهو أمر أثار انزعاج العديد من دول الخليج.
المسألة ليست فى ذلك وفقط، تعالَ أيضاً إلى السيارات الكهربائية، وحدثنى عن مستقبل «البنزين والسولار» وبعض المشتقات البترولية الأخرى.
الدنيا تختلف، ومن كان غنياً بالنفط بالأمس، سوف يعانى الكثير اليوم. ودول عديدة تعيشت لسنين على النفط واكتسبت نفوذها منه تقف اليوم وتسأل: «مين يشترى النفط منى؟» ولا تجد مَن يشترى.
لعلك تتابع أزمة عجز الموازنة التى تواجهها بعض الدول البترولية، ولجوء بعضها إلى الاقتراض من الخارج لأول مرة فى تاريخها. كل هذه المؤشرات منبئة عن تحول قاسٍ يلوح فى الأفق فى خرائط النفوذ التى تأسست لعقود طويلة على «برميل النفط».