مواطن بدرجة «سمسار»

مواطن بدرجة «سمسار»

مواطن بدرجة «سمسار»

 العرب اليوم -

مواطن بدرجة «سمسار»

بقلم - د. محمود خليل

تتفاوت الدول العربية فى قدراتها، وحجم ثرواتها، ومستوى معيشة مواطنيها، وتتوزّع على هذا المستوى ما بين دول مقتدرة وأخرى تعانى، لكنها تتفق جميعها على الاعتماد على مصادر ريعية فى تحصيل دخلها القومى. والريع هو العائد الناتج عن ثروة طبيعية أو موروثة يملكها المجتمع، والمجتمعات العربية فى ذلك أشبه بمن يعتمد فى دخله على إيجار عمارة ورثها عن أبيه، أو شخصاً وجد كنزاً فى باطن الأرض التى يعيش فوقها، فأتى بمن يستخرجه له، نظير أن يعطيه جزءاً منه كل شهر أو كل سنة حسب الظروف.

الفكر الريعى بعيد أشد البُعد عن الاقتصاد بمفهومه الإنتاجى الذى يعتمد على الصناعة والزراعة وعلى الأعمال التجارية التى تقوم على إنتاج سلع يحتاجها العالم فتتحرك إلى أسواقه. الفكر الريعى جعل أهم وظيفة يحب العربى أن يؤديها هى وظيفة «السمسرة»، لكونها لا تتطلب جهداً كبيراً وتحقق أرباحاً ضخمة. السمسرة قد تأخذ شكل الوظيفة الصريحة، مثل البواب الذى يُسمسر فى إيجار وبيع الشقق داخل العمارة التى يعمل فيها (البيه البواب)، وقد تأخذ شكلاً مستتراً حين تصبح السمسرة جوهر العمل، فيتحول بعض المعلمين الطبيعيين إلى مدرس خصوصى يحقّق أرباحاً كبيرة عبر السمسرة فى بلادة التلاميذ وشهوة الأسر فى الشهادات، ويتحول بعض الأطباء الطبيعيين إلى سماسرة أدوية لحساب الشركات التى تعطيهم أكثر، ويتحول المهندس الطبيعى إلى «مقاول»، ويتحول الموظف فى أى موقع إلى «مشهلاتى» وهكذا.

الفارق بين الاقتصاد الإنتاجى والاقتصاد الريعى هو الفارق ببساطة بين الاستثمار والفساد. فالاستثمار يعنى استغلال القدرات المتاحة وبذل الجهد فى تدويرها لتربح أكثر، أما الفساد فيعنى استغلال الموقع -وليس القدرات- من أجل تحقيق الأرباح. ونتيجة الاستثمار معروفة، إذ تعنى سيطرة الفكر الإنتاجى على كل مناحى الحياة داخل المجتمع، ونتيجة الفساد معروفة هى الأخرى، إذ يؤدى إلى سيطرة الفكر الاستهلاكى على نواحى الحياة، بما يتعلق به من سوء أداء تظهر تجلياته فى كل لحظة.

سيطرة «السمسرة» على شتى نواحى حياة الإنسان العربى لها مردود اجتماعى جوهره سيطرة الثقافة الاستهلاكية، فالمال السريع السهل الذى يستطيع تحصيله من يجيدون لعب دور السمسار، أو تواتيهم الفرص لذلك، يشجّع على الاستهلاك، كما أن السمسرة تمنح صاحبها وقتاً كافياً للاستهلاك، لأنها لا تتطلب جهداً أو وقتاً فى أدائها، وعدم اعتمادها على إنتاج حقيقى يتطلب بذل جهد، ولك أن تتخيل فى المجمل حالة اللخبطة التى يُحدثها المتربحون من السماسرة داخل الأسواق المختلفة والنتائج المترتبة على ذلك بالنسبة لمن لا تواتيهم فرصة للعب دور «السمسار»، وكم النقمة التى يشعرون بها، وهم يجدون أصحاب المال السهل يشعلون الأسواق من حولهم، بسبب عدم امتلاكهم ما ينفقون.

سوف يكتب للشعوب العربية طرق باب المستقبل، وتحقيق حلمهم فى الحياة الآدمية اللائقة على جميع المستويات، إذا تعلموا أن الإنتاج هو سبيل البقاء فى عالم بات العلم فيه هو الثروة الحقيقية، والاستثمار وليس التربح بالفساد هو سبيل الاستقرار، وأن الاقتصاد الحقيقى صناعة وزراعة وتجارة وليس ريعاً، والاستهلاك الناتج عن السمسرة هو طريق الهلاك.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مواطن بدرجة «سمسار» مواطن بدرجة «سمسار»



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - الدانتيل بين الأصالة والحداثة وكيفية تنسيقه في إطلالاتك

GMT 05:59 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية
 العرب اليوم - نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية

GMT 16:09 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية
 العرب اليوم - أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية

GMT 06:31 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

ثريدز تختبر إعلانات وصور بين المنشورات للمستخدمين
 العرب اليوم - ثريدز تختبر إعلانات وصور بين المنشورات للمستخدمين

GMT 03:25 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يعتزم مواصلة الانتشار جنوبي لبنان

GMT 03:17 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

زلزال قوي يهز إثيوبيا بقوة 4.7 ريختر

GMT 03:24 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

الحصبة تتفشى في المغرب 25 ألف إصابة و120 وفاة خلال 16 شهرا

GMT 11:32 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

يسرا اللوزي تتحدّث عن الشخصية التي تتمنى تقديمها

GMT 08:46 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

في ذكرى صاحب المزرعة

GMT 09:25 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

ألوان ديكورات 2025 تعيد تعريف الفخامة بجاذبية جريئة

GMT 08:44 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

كيف ستكون علاقتنا مع ترمب؟

GMT 08:42 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

مناخر الفضول وحصائد «فيسبوك»

GMT 14:00 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

أخطر سلاح في حرب السودان!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab