العقل «المُفلس»

العقل «المُفلس»

العقل «المُفلس»

 العرب اليوم -

العقل «المُفلس»

بقلم - د. محمود خليل

الثقافة مفهوم كبير، فهى كما تشمل المعارف والأفكار والتصورات التى يتبناها العقل عن الواقع وتفاعلاته، والتاريخ وحركته، والمستقبل وتوقعاته، تمتد أيضاً إلى الإبداع بشتى صوره، وتتمدد بعد ذلك إلى أسلوب الحياة «لايف ستايل» وتعابيره المعيشية التى تشمل الأزياء، وطقوس الحياة، والعادات والتقاليد، وغير ذلك. فى المجمل تستطيع أن تقول ببساطة إن الثقافة «فكر يحدد سلوك الفرد»، فسلوك كل فرد فى الحياة يعبر عن ثقافته.

وبمناسبة الحديث عن الثقافة كفكر قد يكون من المهم أن نسترجع ما كتبه الراحل يوسف إدريس فى كتابه «فكر الفقر وفقر الفكر» ونحن بصدد البحث فى أزمة الشعوب العربية. وهو الكتاب الذى تأسس على مقال كتبه «إدريس» تحت العنوان نفسه، ثم أردفه بعدة مقالات أخرى فى الموضوع ذاته، وجمعها بعد ذلك فى كتاب.

يقول «إدريس»: «إن الفقر ليس وضعاً اقتصادياً فقط، إنه وضع من أوضاع البشر، وضع عام، يتصرف فيه الإنسان بفقر، ويفكر بفقر، أفكار تؤدى إلى فقر أكثر واحتياج إلى الغير أكثر».

يريد الكاتب أن يقول إن الفقر ليس اقتصاداً وفقط، بل فقر فى الفكر أيضاً، بل قد لا نبالغ إذا قلنا إن فقر الاقتصاد هو نتيجة لفقر الفكر. مجتمع مثل المجتمع اليابانى لا يملك الثروات التى تمتلكها مجتمعات أخرى، ورغم ذلك يحتل موقعاً أكثر تقدماً بين مجتمعات الأرض، فى المقابل هناك مجتمعات أخرى (عربية) حبتها الطبيعة بثروات طبيعية كبرى تدر عليها دخولاً هائلة، ومع ذلك لا يوجد لها ذكر بين المجتمعات المتقدمة، لأنها ببساطة تعانى من فقر الفكر.

الإنسان العربى بحاجة إلى إعادة صياغة لمفاهيمه حول الفقر، ويتفهم أن وجود المال فى اليد لا يعنى غنى إذا كان العقل فقيراً، وشحه فى أيدٍ أخرى لا يعنى فقراً لو كان العقل غنياً. لعلك تلاحظ أن المال داخل الواقع العربى يجرى أحياناً فى أيدى المفلسين فكرياً أكثر مما يجرى فى أيدى الأثرياء على هذا المستوى. انظر على سبيل المثال إلى هذا النجم أو ذاك من نجوم الفن أو الغناء وهو يباهى بممتلكاته من المشغولات الذهبية والسيارات والطائرات واستخلص حالة الفقر المدقع على مستوى الفكر.

مكمن العلة داخل المجتمعات العربية تتمثل فى الاحتفاء بالمفلسين فكرياً، فهم الأكثر شهرة على المستوى الجماهيرى، وهم الأكبر نفوذاً وتأثيراً فى المجال العام، وهم الأشد سطوة عندما يختلف معهم أحد، والسبب فى ذلك هو المجموع العربى الذى صنع منهم نجوماً رغم ما يعانونه من إفلاس فكرى. فالجمهور هو من يشهرهم وينجمهم ويدفع لهم ما يباهون به من مقتنيات، وما يملأ خزائنهم من أموال. والأخطر أن البعض يعتبرهم نموذجاً وقدوة جديرة بالاحتذاء، من خلال بلادة التقليد لهم فى أسلوب حياتهم، وقد حكيت لك أن الثقافة تعنى فى أحد مفاهيمها أسلوب الحياة «لايف ستايل»، أو عبر الحلم بأن يخرج من صلبه ولد أو بنت تكون مثل هذا النجم أو النجمة.

والنتيجة الطبيعية لفقر الفكر الذى تعانى منه العديد من المجتمعات العربية هو «فكر الفقر» الذى تجد تجلياته فيما تسمعه حولك من خلط فى المفاهيم، وارتباك فى الرؤى، واضطراب فى النظر إلى الذات وإلى الآخر، والأخطر من كل ذلك الأفكار البائسة والمشوشة التى تروج فى الواقع على المستويات الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك.

حدثنى عن عدد الدقائق التى يقضيها العربى فى قراءة الكتب، أو عدد الكتب التى ينتجها العقل العربى سنوياً، أو مستوى الإبداع الفنى، أو معدلات الإنتاج الفكرى على أى مستوى من المستويات.. أى مستقبل يمكن أن يحلم به العربى وهو يفكر ويؤدى على هذا النحو؟ وأى تغيير يمكن أن تحدثه فى الواقع تلك العقول الفقيرة فكرياً؟

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العقل «المُفلس» العقل «المُفلس»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab