لا أستطيع العيش بعقل ميت

لا أستطيع العيش بعقل ميت

لا أستطيع العيش بعقل ميت

 العرب اليوم -

لا أستطيع العيش بعقل ميت

بقلم - د. محمود خليل

 

بدأ «آدم الصغير» يشعر ببعض الراحة بتراجع السعال.. فبعد أن كان يسعل كل 20 ثانية.. أصبح يسعل من وقت إلى آخر.. بدأ يتفاءل بالقادم.. نظر إليه جده وقال: «أشعر أنك أفضل الآن».. «الحمد لله.. كل شىء فى الجسد يهون.. إلا وجع القلب.. والسعال كان يهد قفصى الصدرى.. ويحرك قلبى من مكانه.. لدرجة أننى كنت أتحسس أين ذهب فى أحيان أخرى».. نظر إليه الجد بابتسامة رضا وهو يردد هذه الكلمات ثم قال له: «الشدة للرجال يا ولدى.. أجدادك خاضوا شدائد مثلك.. وخرجوا منها أقوى.. الشدة تشد عودك.. لتصير أقوى وأقدر على المواجهة.. جدك مصطفى بلغ عقل وفعل الرجال فى عمر الصبا.. صنعته الشدة».

يظهر «مصطفى» وهو يدخل شارع البندقانيين من ناحية شارع الوراقين.. تتراص دكاكين العطارة وبيع البارود إلى جوار بعضها البعض.. يبدو الشارع مزدحماً بالتجار والزبائن تتعالى فيه أصوات الفصال بين الطرفين.. ويصرخ فيه الزبائن بضرورة تجربة البارود قبل دفع ثمنه.. يسير «مصطفى» بخُطى سريعة متزنة حتى يصل إلى دكان المعلم «أحمد ميلاد» وهو يتوسط الشارع الذى يبدأ من «الوراقين» وينتهى عند «الحمزاوى».. يدخل «مصطفى» الدكان ويلقى السلام على المعلم «ميلاد»:

- مصطفى: السلام عليكم يا معلم.

- ميلاد (بابتسامة): وعليكم السلام والرحمة.. اسمح لى يا مصطفى يا ولدى.. أنا مستغرب حالك.

- مصطفى: ما الغريب يا معلم فى أمرى؟

- ميلاد: أنت أول صبى يدفع من جيبه لمعلمه.. كل الصبيان الذين يعملون فى دكاكين البندقانيين يقبضون من معلميهم.. أما أنا فأقبض منك آخر اليوم.

- مصطفى: العقد شريعة المتعاقدين.. أنت تعطينى المعرفة التى سأربح منها الكثير فيما بعد.. تعلم أننى استأجرت دكاناً بالشارع.. لكننى لا أريد أن أبدأ على جهل.. أريد بداية على نور.. وأنت تنير لى طريق التجارة.

- ميلاد: رحم الله والدك يا مصطفى.. ألم تعرف بعد أين ترقد عظامه؟.

- مصطفى (بأسى): لا يا معلم.. لكننى لا أنسى.. وسوف يأتى يوم أعرف فيه.

أراد مصطفى أن يبدأ مشواره بالمعرفة.. فاتجه إلى صديق والده المعلم أحمد ميلاد لينير له الطريق.. وعرف من خلال عمله معه فى دكانه كل صغيرة وكبيرة فى تجارة البارود.. من أين يأتى به؟.. ولمن يبيع؟.. ومن الزبائن الذين يدفعون فيه خصوصاً من العربان الذين يحتاجون إليه بشدة لمواجهة طغيان الترك أو طمع بقايا المماليك فيما يضعون أيديهم عليه؟.. وكان فى باله هدف معين من وراء التعامل مع العرب.. عرف أيضاً فى دكان المعلم «ميلاد» كيف يفرق بين البارود الحقيقى والآخر المغشوش.. ومعلومات أخرى كثيرة عن صناعته وتجارته.وبعد أن تعلم كل شىء عن تجارة البارود سارع «مصطفى» إلى تعلم اللغة الإنجليزية، فتعلمها بسهولة بسبب إتقانه الفرنسية. وكان هدفه من ذلك تسهيل مسألة عقد صفقات شراء براميل البارود، وخصوصاً من الإنجليز الذين ينتشرون فى بر مصر.

قال لنفسه إن الزمن القادم هو «زمن الإنجليز» ولابد أن أتعلم لغتهم من أجل الزمن ومن أجل التجارة.خدمت الظروف «مصطفى» حين وقعت حادثة خطيرة بعد عدة أشهر من بدء العمل بدكانه. كان ذلك فى أحد أيام رمضان، حين كان أحد كبار التجار بشارع البندقانيين يبيع برميلين معبأين بالبارود.

طلب المشترى تجربة البارود قبل شرائه، فجربه له التاجر فى قطعة حبل، رضى الشارى بالبيعة، فوضع صاحب البارود الحبل الذى لم يزل مشتعلاً إلى جواره ثم بدأ يزن له المطلوب، ومع الإهمال تساقطت حبات من البارود على الحبل ولك أن تتوقع الباقى. انفجار عظيم وقع فى الحانوت وامتد بالطبع إلى الحوانيت والبيوت المجاورة إلى درجة سماع صوته فى الأزهر والحسين، وأخذت الأجساد تتطاير ومعها البضائع، وطاشت قطع الرصاص والقصدير والنحاس لتصيب من قدر الله نصيباً للإصابة أو للموت فى هذه المحنة.

لم يكن مصطفى متعاطفاً مع الناس مثل أبيه، ويرى أن مقتله جاء بسبب عجزه عن العيش بوجدان ميت.. وعندما كانت أمه تعاتبه على ذلك كان يقول لها: «طالب عظام أبيه لا بد أن يعيش بقلب ميت.. أبى كان يقول: لا أستطيع العيش بوجدان ميت.. أما أنا فأقول: لا أستطيع العيش بعقل ميت».

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا أستطيع العيش بعقل ميت لا أستطيع العيش بعقل ميت



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
 العرب اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 06:36 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
 العرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 06:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
 العرب اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 15:04 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تعلن أعداد السوريين العائدين منذ سقوط نظام الأسد
 العرب اليوم - تركيا تعلن أعداد السوريين العائدين منذ سقوط نظام الأسد

GMT 09:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

إرهابى مُعادٍ للإسلام

GMT 21:53 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025

GMT 17:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا

GMT 09:50 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أزمات قانونية تنتظر عمرو دياب في العام الجديد

GMT 09:42 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 21:50 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

دنيا سمير غانم تشارك في موسم الرياض بـ مكسرة الدنيا

GMT 00:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

لبنان يتعهد بالتعاون مع "الإنتربول" للقبض على مسؤول سوري

GMT 20:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منتخب الكويت يتعادل مع عمان في افتتاح خليجي 26

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:46 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يعلّق على المنافسة بين أبطال "العتاولة 2"

GMT 06:36 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab