«الشعب العميق»

«الشعب العميق»

«الشعب العميق»

 العرب اليوم -

«الشعب العميق»

بقلم - د. محمود خليل

كيف تحوّل قطاع من المصريين من ناس «بتاكل مع بعض» إلى ناس «بتاكل فى بعض»؟ رحلة التحول كانت طويلة بعض الشىء. فلم يكن من السهل على مجتمع عاطفى مثل مجتمعنا، اعتاد على الاندماج ما بين أفراده، وأحب «اللمة» وكره «الفرقة والبعاد»، وكانت مسألة الفراق وتقطّع الأوصال أكثر وجع يظهر فى أغانيه، أن يتحول قسمٌ من أفراده إلى النقيض، إلا عبر مدى زمنى واسع.

ولكى نجيب عن سؤال ماذا حدث للمصريين على هذا المستوى؟ علينا أن نسترجع بعض المشاهد من مصر «سبعينات القرن الماضى»، ونطلق العنان لخيالنا ليتجول داخل أحياء مصر القديمة، التى تضم ما يمكن أن نطلق عليه «الشعب المصرى العميق»، إذا صح التعبير. تشكّلت خريطة المكان داخل هذه الأحياء من مجموعة من الحوارى الممتدة التى تشرف على شوارع ضيقة، يعيش أغلب ساكنيها داخل غرف مرصوصة إلى جوار بعضها البعض، أحياناً ما تعلو إحداها لدورين (يشتملان على غرفتين) تستقل كل واحدة منهما بدورة مياه، أو توجد لهما دورة مياه مشتركة.. البنايات التى توصف بـ«العماير» كان يسكنها الأكثر حظاً داخل هذه الأحياء، وتضم شققاً سكنية تتراوح مساحتها ما بين 40 -60 متراً.

أغلب المناطق الفقيرة بالقاهرة كانت ترقد فى حضن (مصر القديمة)، مثل أحياء الناصرية والبغالة وبركة الفيل، والحلمية والخليفة والقلعة والغورية والجمالية والحسين والمغربلين وبولاق وأبوالسعود وغيرها. أكثر ما تميزت به هذه المناطق أن آثار مصر المملوكية والفاطمية كانت تحيط بها من كل اتجاه وتتدفق عبر شرايينها الجغرافية أيضاً.

تعلم أن المكان يتدخل فى تشكيل شخصية الإنسان الذى يعيش فيه، فيبصمه ببصمته، ويختمه بخاتمه، فيأخذ الإنسان من سمات المكان، بقدر ما يتشكل المكان من خصائص الشخصية للأفراد الذين يعيشون فيه.

أماكن العيش فى ذلك الحين كانت عشوائية على مستوى الشكل، نظامية على مستوى المحتوى. رغم ما تجمعه من شتات بشرى، إلا أن الجميع يشكلون فيما بينهم كتلة تتلاحم بعضها مع بعض، بما يعكس واحدة من القيم الثابتة التى ميزت الشخصية المصرية عبر تاريخها، والمتمثلة فى التلاصق فى المكان والمشاعر، فالناس، مثل المكان، يعيشون ملتصقين بعضهم ببعض، كما يضبطون مشاعرهم على مشاعر أى فرد فيهم، حزناً وألماً، أو بهجة وفرحاً.

ما أكثر المشاهد التى كنت تراها حينذاك لعدد من الأسر التى تعيش فى دور واحد داخل إحدى البنايات، أو تتجاور الغرف التى يقطنون فيها، يتشاركون فيما لديهم من طعام، فالأطباق إما تنزل من كل شقة أو غرفة، أو يتم تناقلها فيما بينهم. شراء الحاجات اللازمة للأكل والشرب من الأسواق كان يمكن أن تقوم بها ربة منزل لعدد من جيرانها، دون أن تجد فى ذلك غضاضة. مَن استهلك تموينه من السلع الأساسية بإمكانه أن يستلف من جاره حتى أول الشهر. مَن عنده ثلاجة يفيض بالمكعبات المثلجة على الأسر الأخرى التى لم تزل تعتمد على القلة. مَن لديه تليفزيون يفتح باب شقته، والبسطة التى تقبع أمام الشقة، لمن يريد المشاهدة من أفراد الأسر الأخرى التى لا تملك التليفزيون. مَن يمتلك راديو ويعلم أن جيرانه ليس لديهم ويحبون الاستماع إلى نشرة الأخبار، أو أغانى الست أم كلثوم، كان يخرج بجهازه إلى شرفة المنزل، ويرفع صوت المذياع عن آخره ويتشارك الجميع فى السماع. حب بنت الجيران والزواج منها كان يمثل القاسم المشترك الأعظم بين سكان هذه الأحياء، هناك جيران كثر فى هذه الأحياء تحولوا إلى عائلات عن طريق المصاهرة.أمر طبيعى أن يؤدى التجاور والحرص على القرب إلى الذوبان، فيتشارك الكبار فى كل شىء، ويذوب الأطفال فى علاقات عميقة، بحيث يشعر أحدهم أن له أكثر من أم أو أب من الجيران، ثم ينخرط شبابهم وبناتهم فى علاقات حب، تنتهى بزواج ميمون، يضيف المزيد من الأسر إلى خريطة البشر الذين يعيشون فوق صفحة المكان.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الشعب العميق» «الشعب العميق»



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
 العرب اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
 العرب اليوم - يحيى الفخراني يختار التمثيل ويترك مهنة التدريس في كلية الطب

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
 العرب اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 10:46 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

إيران بين «طوفان» السنوار و«طوفان» الشرع

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:22 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

توتنهام يضم الحارس التشيكي أنطونين كينسكي حتى 2031

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 10:27 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

سبيس إكس تطلق صاروخها فالكون 9 الأول خلال عام 2025

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 14:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

الاتحاد الإسباني يعلن رفض تسجيل دانى أولمو وباو فيكتور

GMT 11:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

كيروش يقترب من قيادة تدريب منتخب تونس

GMT 19:51 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 2.7 درجة يضرب الضفة الغربية فى فلسطين

GMT 11:50 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الهلال السعودي يكشف سبب غياب نيمار عن التدريبات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab