الإنسان والمكان

الإنسان والمكان

الإنسان والمكان

 العرب اليوم -

الإنسان والمكان

بقلم - د. محمود خليل

 نشاط العقارات فى مصر قديم قدم حاجة المواطن إلى سكن، وقد نشأ محكوماً بعلاقة واضحة بين المالك والمستأجر، أساسها العرض والطلب، فإذا زاد العرض قل الإيجار، وإذا نشط الطلب ارتفع. وقد دخلنا النصف الثانى من القرن العشرين بثقافة تنظر إلى «المستأجر» كطرف مظلوم فى العلاقة الإيجارية، إذ يسلمه المالك الشقة، ويحصل على الإيجار آخر كل شهر، دون أن يلتزم بأعمال صيانتها (سباكة وكهرباء وغير ذلك) بالصورة المطلوبة.

وعندما قامت ثورة يوليو 1952 أصدر «عبدالناصر» قانون تحديد القيمة الإيجارية عام 1962، ليحارب به ما كان يوصف وقتها بمغالاة الملاك فى تحديد إيجار الشقق على المستأجرين، وأدخل طرفاً ثالثاً فى تحديد القيمة الإيجارية هو «اللجنة»، وهى تضم موظفين من المحافظة، تتحدد مسئوليتهم فى تخفيض الإيجارات التى يشتكى المستأجر منها.

ومنذ ذلك الحين تحول «المالك» من مربع «الظالم» إلى مربع «المظلوم» فى العلاقة الإيجارية.

لم يكتف «عبدالناصر» بذلك، بل سعى إلى بناء ما أطلق عليه «المساكن الشعبية»، وهى شقق تمليك كانت تُمنح لمحدودى الدخل، وعبرها عرف المصريون لأول مرة «الشقة التمليك».

وامتازت هذه المساكن بنظاميتها، وتوافر المرافق بها، وقربها من أماكن التجمع السكنى المعتادة (المساكن الشعبية بالحلمية نموذجاً)، لكن أحوالها ساءت بفعل الإهمال الحكومى والشعبى، وحكمتها نفس الثقافة القديمة التى تعتمد على فكرة الالتصاق والاندماج، والاجتماع على طبق واحد، إلى حد أن بعض الأهالى بدأوا فى تعلية مبانيها لتوفير شقق لأولادهم المقبلين على الزواج.

كانت المشكلة وما زالت فى التصور الخاطئ الذى يحكم صانع القرار على هذا المستوى، حين يظن أن مجرد نقل الإنسان من مكان إلى مكان سيؤدى إلى تطوير شخصيته.

الشخصية بما يحكمها من ثقافة يجب أن تتطور أولاً، وإذا حدث ذلك فستجدها مدفوعة إلى تطوير المكان، فالمكان جماد والإنسان كائن حى، ولم يحدث فى التجربة الإنسانية أن طور جماد كائناً حياً، بل العكس هو الصحيح.

والتطوير بمعادلة «الأولوية للجماد» تجعل السيئ أسوأ. وقد حدث ذلك بالفعل. فبعد أن أصبحت «اللجنة» المسئولة عن تخفيض الإيجار سيفاً على رقاب الملاك، زادت المشاكل بين طرفى العلاقة الإيجارية، وأحجم الكثير من المستثمرين العقاريين عن البناء، وحين تولت الحكومة بنفسها مهمة بناء المساكن الشعبية أهملت أن التطوير يبدأ بعقل الإنسان، ليدرك الجيد والردىء فى ثقافته، ويتولى هو بعد ذلك بنفسه تطوير المكان الذى يعيش فيه، عبر محاربة القبح، وتعظيم الجيد.

ظهرت نتائج هذه الطريقة فى التفكير بدءاً من النصف الثانى من السبعينات، حين بدأت أزمة السكن فى الظهور، بسبب كثرة الطلب وقلة العرض، وظهر نظام التمليك كوسيلة يضمن بها مالك العقار عدم تدخل الحكومة بينه وبين المستأجر عند تحديد قيمته.. ولو أنك راجعت بعض الأفلام التى ظهرت حينذاك فستصادف بعض أبعاد المشكلة، مثل فيلم «شقة وعروسة يا رب» (1978) و«الشقة من حق الزوجة» (1985).

حينها بدأ قطاع من المصريين يدخل مرحلة «الخطف» حتى على مستوى السكن، فشاعت عمليات النصب فى تأجير الشقة لأكثر من شخص (مع قبض خلوات من الجميع)، وتحطمت العلاقات الأسرية، وعلاقات الحب والزواج، بسبب العجز عن تدبير شقة (راجع فيلم صاحب العمارة 1988)، وبدأت عمليات البناء على أراضى وضع اليد، وعلى الأراضى الزراعية من جانب المواطنين العاديين، الذين لم يجدوا غضاضة فى ذلك ما دامت الدولة تعطى الأراضى بسخاء للمحظوظين.

عدم احترام الثقافة الاجتماعية السائدة، والظن الخاطئ بأن المكان قادر على تطوير الإنسان، ومحاولة التحكم فى العلاقات الطبيعية ما بين البشر، يحول أى نظام إلى فوضى، ويدفع الناس إلى أكل بعضهم بعضاً بدلاً من الأكل مع بعض.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإنسان والمكان الإنسان والمكان



الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 00:04 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

السعودية وروسيا تعلنان إعفاء التأشيرات المتبادل
 العرب اليوم - السعودية وروسيا تعلنان إعفاء التأشيرات المتبادل

GMT 19:12 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

البابا لاوون الرابع عشر يدعو اللبنانيين إلى الأمل والوحدة
 العرب اليوم - البابا لاوون الرابع عشر يدعو اللبنانيين إلى الأمل والوحدة

GMT 18:43 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

بوتين يستفيد من أوراق قوة متزايدة أمام خطة السلام الأميركية
 العرب اليوم - بوتين يستفيد من أوراق قوة متزايدة أمام خطة السلام الأميركية

GMT 23:05 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

علامات تشير إلى أن التوتر لديك أعلى مما تتوقع
 العرب اليوم - علامات تشير إلى أن التوتر لديك أعلى مما تتوقع

GMT 06:00 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

في كيفية إنهاء زمن غطرسة المهزوم

GMT 08:03 2025 الأحد ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

رحلة إلى عالم الألوان اكتشف روعة الشفق القطبي في النرويج

GMT 07:41 2025 الأحد ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

فستان الكاب لإطلالة تمنح حضوراً آسراً في السهرات

GMT 07:53 2025 الأحد ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

موسم الرياض 2025 يتخطى حاجز خمسة ملايين زائر منذ انطلاقه

GMT 07:33 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حصيلة فيضانات إندونيسيا تصل لـ631 قتيلاً والمفقودون 470

GMT 12:57 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

دونالد ترمب سيحضر قرعة كأس العالم 2026 في واشنطن

GMT 18:40 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مجلس الوزراء السعودي يناقش ميزانية عام 2026 يوم الثلاثاء

GMT 07:29 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

نظام غذائي جديد ينافس "المتوسطي" في إنقاص الوزن

GMT 00:04 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

السعودية وروسيا تعلنان إعفاء التأشيرات المتبادل

GMT 06:03 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

ترمب وتهمة الجهل السياسي

GMT 09:45 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 09:57 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

دولة أكثر من فاسدة !

GMT 09:30 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مهرجان الموسيقى العربية يقهر «ذاكرة الأسماك»

GMT 09:38 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 09:48 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 5 1 درجات يضرب ولاية ألاسكا الأمريكية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab