بقلم - د. محمود خليل
لم يكن للشقى الذى ذبح ناقة صالح أن يعبر على تهديد النبى له ولأعضاء عصابة التسعة، زعماء أهل ثمود، بأن يحل عليهم غضب الله بعد ثلاثة أيام.
لقد استغل هذا التهديد حتى يبيع رسالة معينة لقومه، ملخصها أنه من الضرورى التخلص من «صالح» بعد أن عقروا ناقته.
كان ذلك هو الهدف الأساسى لهذا الشقى من المواجهة التى دخلها مع «صالح»، بعد أن بات الأخير منافساً قوياً له بسبب الشعبية التى حقّقها، نتيجة إيمان أهل ثمود به، حين رأوه يخرج لهم الناقة من بطن الجبل.
تواطأت عصابة التسعة -بزعامة شقيها- على قتل «صالح»، ومدوا أيديهم وأقسموا وتبايعوا على اغتياله هو وأهله.. يقول الله تعالى: «قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ».. كانت الخطة تقضى بأن تهاجم عصابة التسعة بيت صالح، فيقتلونه ومن معه من أهله، ثم يقولون لأولياء دمه من أفراد عائلته إنهم لا يعلمون شيئاً عن أمر قتله.
وفى الساعة الموعودة تحرّكت العصابة وأنصارها لتنفيذ عملية الاغتيال، وكان تحرّكهم فى شكل موجات، وصلت أولاها إلى بيت «صالح»، وأخذوا يدورون حوله باحثين عن ثغرة للدخول منها، وبينما هم كذلك إذا بسيل من الحجارة ينهال عليهم، لم يتبين أىٌّ منهم مصدر الحجارة، وهل تأتيهم من السماء أم من أعلى بيت صالح، المهم أنها كانت تأتيهم من أعلى فتصيبهم إصابات مباشرة وتلقيهم على الأرض.
مرّ الوقت ولم يرجع أفراد الموجة الأولى، أصيب أعضاء العصابة بالقلق، فتحرّكوا فى موجات متلاحقة إلى بيت «صالح»، وحين وصلوا إليه وجدوا أتباعهم على الأرض مصابين بإصابات بالغة، كان من الطبيعى أن يوجّهوا اتهاماً لـ«صالح» وأهله بقتلهم، وهمّوا بناءً على ذلك بقتله، لكنهم فوجئوا بأفراد عائلته يتدفّقون من كل اتجاه.
ويقفون بينهم وبين «صالح» وهم يحملون السلاح، فحالوا بينهم وبينه، وقالوا لهم لقد وعدكم بالهلاك بعد 3 ليال فاتركوه حتى تمضى فإذا أصابكم العذاب فهو صادق، وإذا لم يكن فهو كاذب ونتركه لكم لتقتلوه، فرضى أعضاء عصابة التسعة وأنصارهم بذلك وانسحبوا.
بدأت الإشارات بعذاب الله تصل إلى وادى الحجر، ويبدو أنها بدأت بوباء ظهرت آثاره على وجوههم، فاصفرت يوماً، واحمرت يوماً، واسودت يوماً، ثم ثارت السماء وصاحت وزمجرت، ثم وقع زلزال، وأخذت الحجارة تتساقط فوق رؤوس أصحاب القلوب التى قست، فكانت كالحجارة أو أشد قسوة، وأصبح قبر كل فرد من أهل ثمود هو البقعة التى أصابه فيها عقاب الله.
انتهى أمر المُنكرين للحقيقة من أهل ثمود برجفة زلزلت الأرض من تحت أقدامهم، فدُفنوا حيث يجلسون. لقد رأوا بأعينهم آية الله فى الناقة التى أخرجها لهم «صالح» من الجبل، فما كان منهم إلا أن ذبحوها، فأتاهم عذاب الله ليكونوا لمن خلفهم آية وعبرة على مصير الجماعات البشرية التى تستسلم لحكم العصابات.